مجلس الشورى عام 1372هـ

بسم الله الرحمن الرحيم

بعد ذلك ألقى سكرتير المجلس الأستاذ فؤاد رضا خطاباً باسم المجلس، هذا نصه:

"يسر المجلس أن يرفع إلى سموكم الكريم جزيل الشكر وعظيم التقدير لتفضلكم بالتشريف إليه في هذا اليوم المبارك لافتتاح دورته الجديدة للسنة الحالية. هذا التشريف وما يوحي به من أهداف عالية هو الدم الحار الذي يتغذى به شريان الحياة العامة، وهو الإشعاع الباهر لأعماله يسجل بها سروره وهو مملوء بالفخر وبشخص سموكم فخراً يضيفه إلى ما كان ولا يزال يعتز به من معنوياته الأولى برعاية صاحب الجلالة الملك المعظم، وتشجيع سموكم، وسمو رئيسه نائب جلالته.

مولاي:

لقد كان يا صحب السمو لصدور أمركم العالي بإبلاغ عدد أعضاء المجلس إلى عشرين عضواً أثره الطيب في نفوسنا جميعاً؛ الأمر الذي يدل على تقدير سموكم الكريم للمسؤوليات الجسام التي يضطلع بها هذا المجلس، وما تتطلبه من زيادة التعاون، والتعاضد في سبيل تأدية كل ما يترتب عليها من واجبات كبيرة.

وإن المجلس لا يسعه إلا أن يرفع خالص شكره، وعظيم ولائه لجلالة مولانا الملك المفدى، أيده الله تعالى ممثلا في شخص سموكم المحبوب على ما أوليتموه من الثقة العالية والتعضيد، والتشجيع الكريمين ويؤكد بهذه المناسبة استعداده وتضامنه التامين لأداء الأمانة التي ألقيت على عاتقه بكل جد وإخلاص في حدود صلاحياته الممنوحة له في نظامه الأساسي تحت إشراف وتعضيد سموكم، وسمو رئيس المجلس نائب جلالة الملك المعظم؛ ذلك التعضيد الذي ما برح المجلس متمتعا به في جميع دوراته.

مولاي:

إن المجلس يشهد بكل فخر واعتزاز بما قام به سموكم أثناء اقامتكم الميمونة بين ظهرانينا من أعمال مجيدة، وتوجيهات كريمة، وتشكيلات عامة تناولت الكثير من مرافق البلاد، والإدارات الرئيسية فيها، فلسموكم الجليل على ذلك شكر الأمة والبلاد، ولسموكم الصفحات الخالدة في تاريخها الحديث.

وينتهز المجلس الفرصة ليعرب بين يدي سموكم عن شكره لحكومة جلالة مولاي الملك المفدى ممثلة في وزاراتها، وإداراتها العامة، وعلى رأسها حضرة صاحب السمو الملكي مولاي الأمير فيصل المعظم على ما قامت به من مجهودات موفقة، مساع مشكورة، ومشاريع عامة لرفع مستوى الأمة، والبلاد إلى المكانة اللائقة بهاما في شتى النواحي الصحية والعسكرية، والتعليمية والعمرانية، والاقتصادية، وغيرها.

وختاماً نضرع إلى الله المولى سبحانه وتعالى باسم هذه الأمة السعيدة بعرش جلالة الملك المعظم، وسموكم الجليل بقلوب ملؤها الخشوع والإخلاص، بأن يطيل بقاء سموكم، وسمو نائب جلالته رئيس المجلس، مولاي الأمير فيصل، وسمو وكيله وزير الداخلية، والصحة مولاي الأمير عبد الله الفيصل، وسمو وزير الدفاع والطيران مولاي الأمير مشعل وكافة أمراء البيت الكريم المالك، وأن يديمهم جميعا للصالح العام تحت ظل ورعاية جلالة مليكنا المفدى، أمد الله في حياته الغالية، وأيده بروح من عنده آمين.

والسلام عليكم ورحمة الله".

على إثر ذلك تفضل حضرة صاحب السمو الملكي الأمير سعود ولي العهد المعظم بإلقاء خطاب كريم هذا نصه:

"بسم الله الرحمن الرحيم

حضرات الأفاضل:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد؛ فإنه من دواعي سروري العظيم أن نفتتح هذه الدورة السنوية لاجتماع مجلسكم الموقر مرحبا بحضراتكم أجمل الترحيب.

وإذ نحمد الله تعالى على ما وفقنا إلى فضله هذا فإننا نتوجه بخالص قلوبنا إلى مؤسس دولتنا وباني مجد أمتنا جلالة مولانا الملك المعظم حفظه الله وأبقاه، باثين لجلالته موفور شكرنا، وأطيب تحياتنا على تأسيسه هذا المجلس تحقيقا للحكم الشرعي القائل:(وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ).

إخواننا:

إنكم تستقبلون اليوم العام الجديد من حياة هذا المجلس المحترم تاركين وراءه السنة المنصرمة، وما قبلها من سنين حافلة بقرارات نافعة ومشاريع أنظمة مفيدة ما كان قد قام بها هذا المجلس إلا في سبيل تحقيق الرسالة التي أسس من أجلها، وهي خدمة هذه الأمة خدمة صادقة اقتضتها حاجتها في نهوضها ورقيها.

إننا لعلى يقين أن حضراتكم تستقبلون هذا العام الجديد، وأنتم على ما نعهده فيكم من غيرة على خير الشعب، وعزم أكيد على القيام بمهامكم الجسام الملقاة على عاتقكم، ومما لا ريب فيه أنكم واصلون إلى هذا الهدف الأسمى لما لكم من سداد في الراي، وكفاءة على وزن الأمور بميزانها، وهو ميزان العز للوطن والصالح للأمة.

إخواننا:

إنها لفرصة سعيدة هذه التي تجمعنا بكم هنا إذ أتاحت لنا أن نفصح فيها عما قمنا به، وما وطدنا العزم على القيام به مدة وجودنا بين ظهرانيكم من إصلاحات عامة، ومشاريع إنشائية تتناول جميع مرافق البلاد الحيوية من ثقافية، واقتصادية، وصحية، وزراعية، واجتماعية، وأخلاقية وقد ثبتناها في منهج لمدد معينة حسب إمكان إنجازها، مقدمين الأهم على المهم كما اطلعتم عليها، متوخين في ذلك النهوض بالبلاد والسير بها في مضمار الرقي والمجد، وتوفير وسائل العيش الهنيء لأفراد الشعب وانتشالهم من ذلة الفقر وظلمة الجهل وبؤس المرض.

إخواننا:

إنكم تشاطروننا الرأي في أن الإصلاح عمل شاق، وطريقه وعر المسالك يتطلب جهوداً وعيوناً ساهرة، وتضافراً صادقاً من مختلف طبقات الشعب حتى يؤتي ثمره – فيعم خيره – غير أننا جادون في تحقيقه متوكلين على الله مستمدين الإرشادات من جلالة مولانا الملك المعظم حرسه الله واثقين من إخلاصكم ومؤازرتكم، وسنذلل بإذن الله تعالى ما نلاقيه في طريقنا من صعاب بقوة وعزم، فركب الإصلاح ماض في طريقه، وعجلة الإنشاء تحطم بعون الله كل العقبات، وتخيب آمال ذوي النيات السيئة ونحن واثقون من بلوغ المرام مادام رائدنا النية الحسنة والإخلاص في خدمة الوطن رفعة لشأنه، وإيصال أمتنا إلى المكان الجدير بماضيها وأمجادها، والخليق بمنزلتها الرفيعة بين الأمم.

ومما يوحي إلى نفسنا الاطمئنان أننا قد استطعنا بمشيئة الله أن نحقق للبلاد خلال الأشهر الثلاثة التي أقمناها عندكم كثيراً من تلك المشاريع الإصلاحية كما تعلمون. ولم نهمل بين تلك الإصلاحات العناية بإصلاح القضاء الشرعي؛ إذ وضعنا نظاما يكفل الإسراع في حسم الدعاوى في المحاكم الشرعية، وإحقاق الحق كما أننا وجهنا اهتمامنا لتعزيز الأحكام الشرعية، وإصلاح الأخلاق العامة. إذ أن ذلك من أهم الأسس التي يبنى عليها إصلاح الأمة حيث لا استقرار لبناء ما لم يقم على أساس مكين، هذا وقد تمت الإجراءات اللازمة لتخفيض الرسوم الجمركية على الحاجيات الضرورية لأفراد الشعب ليتمكن كل منهم من الحصول على كفاية من العيش، والكساء إذ أنه مهما كان للقيم المعنوية أثر بارز في تشيد صرح المجتمع؛ فان للعوامل المادية المتصلة بمعيشة أفراده مفعولاً بيناً في تقويم هذا الصرح، وهناك مشاريع اقتصادية، وزراعية عزمنا على القيام بها لتحقيق ذلك أيضاً.

وفي نفس الوقت نحب أن يطمئن الجميع إلى أننا قد اتخذنا التدابير لمنع وقوع أي ظلم على بريء، ولعدم معاقبة أي فرد بدون ذنب يقترفه، وليعلم الجميع أيضاً أن باب الحكومة لمفتوح على الدوام لكل شكوى، أو مظلمة، وأن جلالة مولانا الملك المعظم رعاه الله ونحن، على استعداد في كل وقت لقبول أي مشتك، وسماع شكواه ونريد أن يشعر كل مواطن بحفظ حقوقه، ولا نريد أن يمس بكرامته. فلا سبيل لأحد على الآخر إلا في حدود الشرع لا فرق أمامه بين الكبير والصغير، والغني والفقير. ولا يفوتنا أن نؤكد للجميع أن على كل موظف أن ينجز قضية المواطنين، وكافة ذوي الحقوق بأسرع ما يمكن ضمن أحكام الشرع، والنظام وليس له أن يماطلهم، أو أن يهينهم.

بقيت لنا كلمة نود أن نقولها وهي:

أن النجاح في العمل الإنشائي، أو الإصلاحي لا يكلل بالنتيجة المرضية إلا أن يساهم كل منكم وبالأحرى كل من هو مكلف بواجب رسمي، أو وطني في القيام بالعمل المترتب في ذمته، وأن يتمسك في أداء واجبه بأهداب الفضيلة، والتعصب للحق، والعدل، وأن يضع نصب عينيه ما ترضى عنه الشريعة الإسلامية لا ما ترضى عنه أهواء الناس، وأعراضهم.

فالفضيلة والحق والعدل، وبعابرة أعم، الشريعة المحمدية هي السلاح الماضي الذي يطهر القلوب من الضغائن فيوحدها، ويبعد النفوس من المظالم فيزكيها، وهي القوة العتيدة التي تعلي شأن الوطن، وتمكننا من أن تكون دولتنا عظيمة، وأمتنا عزيزة منيعة الجانب موفورة الكرامة، وإننا لنهيب بكم أن تكونوا كما كنتم قدوة حسنة لمواطنيكم في العمل الصالح، والخدمة الصادقة لخير الوطن، وإسعاد الشعب.

وقبل إنهاء كلمتي الأخيرة من خطابي هذا: أرغب أن أبين لكم وقلبي يعلوه شعور الأسف لفراقكم، وفراق أفراد الشعب الكريم حيث قررت مغادرة هذه البلاد المقدسة بعد أيام قليلة إن شاء الله، وأود أن أنتهز هذه الفرصة لأعبر لكم، ولأفراد الشعب العزيز عن شكري وامتناني العظيمين على ما أظهروه من شعور الإخلاص الحي، والود الصادق وسأبقى ذاكراً لكم ولهم ذلك على الدوام بكل تقدير واغتباط، وستبقى عيوني ساهرة ترعى إنفاذ المشاريع التي تعود لهذا الشعب المجيد بالنفع والخير، أستودعكم الله".