الدورة الأولى السنة الرابعة 1417هـ - 1418هـ

الخطاب السامي لخادم الحرمين الشريفين:

"بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبيه محمد الأمين عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.

أيها الأخوة الأفاضل:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.... وبعد:

فان من دواعي سروري واغتباطي أن التقي بكم مجدداً في اجتماع مبارك تجدد فيه آمالنا وأهدافنا الغالية لخدمة وطننا العزيز، وتعزيز مسيرته الخيرة واستمرار تنميته الكبرى في ظل عقيدتنا الإسلامية الخالدة، وقيمنا وأخلاقنا السامية التي نستمدها نصاً وروحاً من هذه العقيدة.

ونحن إذ نلتقي اليوم في هذه الجلسة المباركة في مسيرة مجلس الشورى، لا يسعنا إلا أن نحمد الله تعالى حق حمده، ونشكره حق شكره على ما أنعم به على بلادنا من الأمن والاستقرار والرخاء منذ أن جمع الملك عبدالعزيز– رحمه الله – شملها، ووحد أجزاءها وأرسى قواعد هذا البناء الشامخ، ووطد أركانه على هدي دين الإسلام منهجاً وتطبيقاً فأصبحت بلادنا بفضل الله مثالاً حقيقياً، ونموذجاً حياً في تطبيق شريعة الله في كل أمورها وأحوالها، وفي إقامة العدل.

وفي هذا الإطار جعل الملك عبدالعزيز – رحمه الله – مبدأ الشورى قاعدة في تدبير شئون البلاد إتباعاً والتزاماً بقول الله تعالى في محكم كتابه العزيز: (وشاورهم في الأمر) وقوله عز وجل: ( والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون)، وقول رسول صلى الله عليه وسلم ( ما خاب من استخار ولا ندم من استشار..) الحديث.

أيها الأخوة الكرام:

وعلى هذا المنهج المبارك سارت قيادة هذه البلاد فطبعت مبدأ الشورى وفق المفهوم والمنهج الإسلامي الثابت الذي جاء في كتاب الله الكريم وسنة رسوله المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام..

ووفق هذا المنهج صدر النظام الأساسي للحكم، ونظام مجلس الوزراء، ونظام مجلس الشورى، ونظام المناطق، وهي في مجموعها توثيق لشيء قائم وصياغة لأمر واقع...وهي في مجموعها كذلك تهدف إلى تحقيق ما نتطلع إليه جميعاً من تعزيز مسيرة هذه البلاد، واستمرار تنميتها الاقتصادية والاجتماعية بما يحقق – بإذن الله – المزيد من الرخاء، والأمن والاستقرار لشعبها وأجيالها المتتابعة.

إن بلادنا – ولله الحمد – في أوج قوتها فهي أولاً غنية بعقيدتها ثم برجالها، وبما حياها الله به من النعم الكثيرة، والثروات الطبيعية الوفيرة.. وإن من هذه النعم التي وفقنا الله لها، ما قمنا به من توسعة كبرى للحرمين الشريفين، والمشاعر المقدسة وتجهيزها بكل الوسائل والتسهيلات مما يسر لإخواننا الحجاج، والمعتمرين، والزوار الراحة الكاملة لأداء مناسكهم.. ومع أننا نعد هذا واجباً نلتزم به فإننا نذكره فقط لنحمد الله تعالى على ما يسره لنا من أدائه.

أيها الأخوة:

تعلمون ما تعرضت له المنطقة في السنوات الماضية من أحداث جسام أرهقت اقتصادنا وتنميتنا، ورغم ذلك فقد بقينا ولله الحمد بخير وقوة، فاقتصادنا أقوى بكثير مما يتصوره الآخرون.. ففي مجال التنمية الصناعية أؤكد أن صناعتنا تتطور يوماً بعد يوم فقد كنا نستورد في السنوات الماضية كثيراً من حاجياتنا، أما اليوم فقد تقدمت صناعتنا وأصبحت أعداد مصانعنا بالآلاف، وأصبحت هذه المصانع تنتج آلاف الأنواع من السلع الضرورية، والكمالية، وليس هذا إلا بفضل الاتجاه الصحيح الذي عملنا جميعاً من أجله؛ فرجال الأعمال أقبلوا على إنشاء المصانع بفضل مساعدة الدولة وتوفير المناخ الملائم لها من الحماية، والتشجيع، والدعم المالي الكبير، وغير ذلك من الوسائل الأخرى. حيث بلغ ما دفعه صندوق التنمية الصناعية السعودي للمشاريع الصناعية من تسهيلات وقروض ميسرة (31) واحداً وثلاثين مليار ريال سعودي. وفي مجال التنمية التعليمية أشير إلى ما عاشته وتعيشه بلادنا من تطور في التعليم فاق كل التصورات حيث بلغ عدد مدارس البنين، والبنات للمراحل الابتدائية، والمتوسطه، والثانوية (23752) ثلاثة وعشرين ألف وسبعمائة واثنين وخمسين مدرسة. وبلغ عدد الطلاب، والطالبات فيها (4.088.637) أربعة ملايين وثمانية وثمانين ألفاً وستمائة وسبعة وثلاثين طالباً وطالبه.

أما الدراسات العليا فلدينا سبع جامعات تضم (68) كلية بلغ عدد الطلاب، والطالبات فيها (155.188) مائة وخمسة وخمسين ألفا ومائة وثمانية وثمانين طالبا وطالبه. هذا بالإضافة إلى (61) إحدى وستين كلية خاصة بالبنات، بلغ عدد الطالبات فيها (100.000) مائة ألف طالبة.

كما أن هناك (56) ستاً وخمسين كلية متخصصة في المجالات التقنية، والصحية، وإعداد المعلمين.

وفي هذا المجال أشير أيضاً إلى ما قامت به الدولة من فتح المراكز، والمعاهد الفنية لتدريب أبنائنا، وتشجيعهم على الالتحاق بها.. فمنذ فترة وجيزة كان لدينا عدد محدود من هذه المراكز، وعدد محدود من الملتحقين بها. أما اليوم فقد أصبح لدينا (70) سبعون مركز تدريب، ومعهداً فنياً صناعياً، وزراعياً، وتجارياً تضم آلاف المتدربين، ونحمد الله أن شبابنا أقبلوا على هذا النوع الهام من التعليم بعد أن يسرت لهم الدولة مجاله، وبينت لهم مزاياه وما سيعود عليهم وعلى وطنهم من فوائده.

وفي مجال الصحة اهتمت الدولة بهذا القطاع الحيوي الهام فأنشأت المستشفيات المتكاملة، والمتخصصة، والمستوصفات، والمراكز الصحية بأنواعها في مدن، وقرى المملكة، وأؤكد في هذه المناسبة أن الدولة ستعمل – بإذن الله – على تكثيف الرعاية الصحية بمختلف أنواعها للمواطنين.

أما في مجال الزراعة فإن المملكة تنتج اليوم الكثير من حاجياتها من أنواع الحبوب، والخضروات، والفواكه، وستظل –بإذن الله- تنمية الزراعة في مختلف أنواعها هاجسنا، وموضع اهتمامنا تنفيذاً لسياستنا في تحقيق الأمن الغذائي لبلادنا.

أما في مجال المياه، فإن المملكة العربية السعودية كما تعلمون تعد رائدة في مجال التحلية، كما تعد أكبر دولة تقوم بهذا العمل رغم ما يتطلبه من تكاليف، ونفقات مالية باهظة. وفي هذه المناسبة أو أن أشير إلى ما يحتمه الواجب علينا

جميعاً من ترشيد المياه، والاقتصاد فيها ادخاراً وحماية لهذه الثروة الكبرى من الإسراف.. وفي مجال البناء والعمران، ما تحقق للمواطنين من بناء المساكن في مختلف مدن وقرى المملكة أنفقت الدولة من خلال صندوق التنمية العقارية (108) مائة وثمانية مليارات ريال، إضافة إلى ما قامت به الدولة من توزيع الأراضي على المواطنين لبناء المساكن، مما حقق لبلادنا نهضة عمرانية تعد مثالية بمقياس الزمن الذي تمت فيه، ولا زال صندوق التنمية العقارية، والصناديق الأخرى تقوم بمهمتها في هذا المجال لمواجهة التوسع، والنمو المستمر الذي نشعر بوجوب مواجهته.

وفي مجال التجهيزات الأساسية للبنى الاقتصادية كالطرق، والموانئ، والكهرباء فنحمد الله تعالى على مايسره لنا من بناء تجهيزاتنا في وقت قياسي، لم يكن أحد يتصوره في ظل الظروف ومعطيات مختلفة.

أيها الأخوة الأعزاء:

لست هنا في مجال إحصاء، أو تعداد ما قامت به الدولة في سبيل إرساء دعائم التنمية الاقتصادية، والاجتماعية، وتحقيق العيش الكريم لأبناء هذا البد فهذا يحتاج إلى وقت طويل، ولكني أردت أن أقول لأخواني جميعاً في هذا الوطن الغالي مواطنين، ومسئولين أن الدولة تعمل بكل عزم وتصميم على كل ما يحقق للمواطن سعادته، ورخاء عيشه واطمئنانه وأسرته، وتعكس هذا ميزانيات الدولة كل عام. وكما ذكرت في مناسبة إصدار ميزانية الدولة لهذا العام 1417/1418هـ، فقد تضمنت هذه الميزانية اعتمادات لمشاريع تنموية جديدة تشتمل على إنشاء مساجد، ومدارس ومنشآت صحية جديدة، ومشاريع للمياه، وسدود، وطرق، وتجهيزات أساسية، وزيادة في مساعدات، ومخصصات الضمان الاجتماعي للحالات الجديدة، إضافة إلى ما هو معتمد من قبل ومن مشاريع يجري الصرف عليها حالياً.

أيها الأخوة الكرام:

إن بلادنا تتميز في علاقاتها الخارجية بالحفاظ على روابط الأخوة والمحلة القائمة بيننا وبين إخواننا في العالمين العربي والإسلامي.. ويولي بلدكم كل الاهتمام للقضايا العربية والإسلامية، والدفاع عنها، والتشاور مع إخواننا في كل ما يهم هذه القضايا وفي مقدمتها قضية الشعب الفلسطيني، والقدس الشريف، ودعم وتعزيز المسيرة السلمية في منطقة الشرق الأوسط، وبما يكفل عودة الحقوق إلى أصحابها الشرعيين.

كما أن علاقات بلادنا مع أصدقائنا في العالم تتميز بالوضوح والثبات والعلاقات الحسنة في ظل الاحترام المتبادل، والمصالح المشتركة، والعمل معا على تحقيق العدل وتعزيز أسس الأمن والاستقرار لما فيه خير البشرية جمعاء.

أيها الأخوة الأعزاء:

إن الواجب علينا هو التمسك بكتاب الله العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فما دمنا نتمسك بهذا الكتاب، وبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتطبيق شرع الله في كل أمورنا وأحوالنا فسنظل دائماً بخير وقوة، مصداقاً لقول الله تعالى: ( الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور).

أيها الأخوة:

وبهذه المناسبة فإني أوجه الشكر لمعالي رئيس المجلس، ونائبه، وجميع أعضائه، وكافة منسوبيه على جهودهم الطيبة، وأرجو أن تكون أعمال المجلس، وجلساته حافلة بالإسهام الخير. كما أرجو لكم التوفيق بما يحقق الأهداف الخيرة التي وجد من أجلها والتي تهدف إلى كل مافيه مصلحة الوطن.

وفي الختام ابتهل إلى الله العزيز أن يوفقنا جميعاً لخدمة دينه، وبلوغ مرضاته، وأن يديم على بلادنا نعمه إنه ولي ذلك والقادر عليه..

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته".

كلمة معالي رئيس المجلس الشيخ محمد بن جبير

"بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي هدانا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.

وأصلي وأسلم على الرحمة المهداة إلى الناس كافة سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين وأصحابه الغر الميامين.

خادم الحرمين:

أيها الأخوة:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

في هذه الليلة المباركة يحتفل المجلس بافتتاح أعمال السنة الرابعة المتممة للدورة الأولى للمجلس مثل ما احتفل في سنواته الثلاث الماضية.

وإنها لمناسبات عزيزة علينا إذ نلتقي يا خادم الحرمين بكم والاستماع إلى توجيهاتكم ونصائحكم.

خادم الحرمين الشريفين:

في السنوات الثلاث الماضية وُضعت الأسس التطويرية لمسيرة المجلس بدءاً من وضع نظامه الجديد وإعادة تشكيله واستكمال لوائحه وتنظيماته الداخلية ومن ثم مباشرة أعماله وتكوين كوادره وترسيخ علاقاته بالسلطات الأخرى داخل المملكة.

وتكوين صلاته بأمثاله من المجالس خارج المملكة.

وفي هذا العام تمر سبعون سنه على قيام أول مجلس للشورى وصدور نظامه في بلادنا العزيزة بأمر جلالة الملك عبدالعزيز رحمه الله.

خادم الحرمين الشريفين:

أيها الأخوة:

لقد كان منهاج الشورى في شريعتنا الإسلامية كالكنز المفقود – لم يستكشف مزاياه وفضائله وأبعاده إلا القليلُ الذي أعتمده وأخذ به وطبقه.

لقد أتاح اتصال هذا المجلس بأمثاله من المجالس أو البرلمانات بزياراتها أو دعوتها فرصة فريدة للتعريف بمبدأ الشورى في الدين الإسلامي ونشر فكرته وإيضاح ركائزه – وقواعده وتطبيقه في المملكة العربية السعودية منذُ تأسيسها.

وإن ما تفضل به المقام السامي الكريم مؤخراً من التوجيه بإتاحة الفرصة لشرائح المجتمع المختلفة لحضور جوانب من جلسات المجلس سيكون له بإذن الله أثر إيجابي في تفهم المواطنين لطبيعة عمل المجلس والتعرف على كيفية سير اجتماعاته ونشاطه حيث جاء التوجيه الكريم في محله وفي التوقيت المناسب من أجل زيادة التفاعل بين المجتمع والمجلس ومساعديه في تطوير أدائه بشكل أفضل بإذن الله.

لقد سجل المجلس خلال هذه الدورة منذُ سنته الأولى الكثير من الإنجازات على صعيد المهام والمسئوليات التي أنيطت به وفق نظامه.

فلقد عقد المجلس حتى الآن ما مجموعة (103) جلسات منذُ بدأ عمله كما عقدت اللجان الثماني (588) اجتماعاً.

وأصدرت تلك اللجان (120) قراراً وعقدت الهيئة العامة (73) اجتماعاً.

وأصدر المجلس خلال الأعوام الثلاثة الماضية (102) مائة وقرارين من ضمنها تلك القرارات التي عقد المجلس لها جلسات عديدة مثل مشروعات الأنظمة الطويلة.

والمهم في الأمر ليس في أرقام الاجتماعات أو عدد القرارات بقدر ما هو في التأكيد على أن المجلس ولجانه يجد المصلحة في العمل المتأني والتأمل العميق فيما يدرس أو يتخذ من قرارات بعيدة الأثر طويلة المدى تمس مصالح البلاد والعباد وتنسجم مع العقيدة والشريعة ولا تخالفهما وتلائم واقع المجتمع وخصوصياته وظروفه.

وعلى صعيد التنظيم الداخلي يفخر المجلس بأنه كان رائداً في شغل وظائفه بمختلف فئاتها بالمواطنين المؤهلين وتوفير الفرص الكاملة لتدريبهم محلياً بالوسائل النظرية والعلمية والتثقيفية وأنه كان حريصاً على تطوير قاعدة المعلومات لديه والاستفادة من أحدث الخبرات الوطنية.

أيها الأخوة:

إن المقام والمناسبة يفرضان على أن أتوجه بالامتنان العظيم إلى مقام خادم الحرمين الشريفين أيده الله صاحب اليد الطولي في تحديث المجلس وتطويره وإعادة تنظيمه ورعايته المستمرة له وثقته الكريمة بأعضائه، وبما يصدر عنهم من قرارات، كما أتوجه بعميق التقدير لزملائي نائب رئيس المجلس معالي الدكتور/ عبدالله نصيف، وإلى الأمين العام معالي الدكتور/ حمود البدر، والعاملين معه في الأمانة العامة.

وإلى أصحاب الفضيلة، والمعالي، والسعادة أعضاء المجلس لما تميز به أداؤهم من عمل جماعي جاد وإلى جميع العاملين في المجلس الذين تفانوا في خدمته.

وأود أن أسجل هنا لولا تفاني أعضاء المجلس، وجديتهم في العمل، وحيادهم وموضوعيتهم في النقاش، والتزامهم بأدب الحوار لما توصل المجلس إلى تلك النتائج السارة.

أسأل الله أن يحفظ بلادنا ومقدساتنا وإنجازاتنا ويزيد عزها واستقرارها ورخاءها في ظل قيادتكم الحكيمة.

وأن يبارك في جهود صاحب السمو الملكي ولي العهد وصاحب السمو الملكي النائب الثاني، وأن يشد يهما وإخوانكم عضد قائد مسيرة النهضة الشاملة أعانه الله وبارك في جهوده.

كما يطيب لي أن أشكر جميع الحاضرين على مشاركتهم لنا في حفلنا هذا.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته".