كلمة صاحب السمو الملكي الأمير/ عبدالله بن عبدالعزيز نائب خادم الحرمين الشريفين التي القاها نيابة عن خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز بمناسبة افتتاح أعمال السنة الثانية من الدورة الثالثة لمجلس الشورى 17 ربيع الأول 1423هـ

الحمد لله رب العالمين ، القائل في محكم التنزيل "وشاورهم في الأمر" والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

أيها الأخوة الكرام :

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :

باسم الله العلي العظيم نستهل اللقاء معكم في بداية أعمال السنة الثانية من الدورة الثالثة لمجلس الشورى ، حامدين الله عز وجل وشاكرين له ما تحقق من إنجازات في السنة الماضية وما سبقها من سنوات منذ تأسيس هذا المجلس ، وسائلينه تعالى أن يجعلنا من عباده المخلصين ، الذين وصفهم في كتابه الكريم بقوله "وأمرهم شورى بينهم" وأن يوفق الجميع ، ويجعل النيات والأعمال خالصة لوجهه الكريم ، وينفع بها الأمة إنه سميع مجيب .

ونحن إذ نجتمع هذا اليوم فإنه لا يغيب عن بالنا أن نذكر بكل تقدير الرئيس السابق للمجلس الشيخ/ محمد بن جبير – رحمه الله – حيث عاصر بدايات هذا المجلس ، وشارك مشاركة فعالة في تأسيسه ، وكانت جهوده في هذا الصدد خلال السنوات التي مضت من عمر المجلس واضحة ومشكورة تغمده الله برحمته .

أيها الأخوة الأفاضل :

قامت هذه الدولة منذ أسسها الملك عبدالعزيز – رحمه الله – على تطبيق شرع الله في القول والعمل ، فشريعته – عز وجل – هي المنهج الذي نسير عليه ، ومبادئ الإسلام وأصوله هي المرجع لنا ، وإليها نحتكم ، متمسكين بكتاب الله عز وجل ، ومهتدين بسنة رسوله الكريم ، ومقتدين بهما في جميع السياسات فهما الحاكمان على جميع الأنظمة .

ومن هذا المنطلق تبنت الدولة منذ عهد المؤسس – رحمه الله – الشورى طريقة حكم ، وأسلوب عمل ، فالشورى – أيها الأخوة – منهج حكم تتبعه المملكة في إطار التزامها بتطبيق الدين الإسلامي في كل الأمور ، والعمل بأحكامه في سائر الشؤون ، وهي تستمد مشروعيتها من نصوص الكتاب الكريم ، ومن هدي المصطفى عليه الصلاة والسلام ، وأعمال خلفائه الراشدين وصحبه الكرام ، وتستند إلى إرث تاريخي عريق يمتد عبر التاريخ الإسلامي ، وتعتمد على أصول ومصادر فقهية غنية بالدراسات والبحوث ، ولقد ركزت هذا المنطلق المادة الثانية من نظام مجلس الشورى حيث نصت على أن "يقوم المجلس على الاعتصام بحبل الله ، والالتزام بمصادر التشريع الإسلامي ، ويحرص أعضاء المجلس على خدمة الصالح العام ، والحفاظ على وحدة الجماعة ، وكيان الدولة ، ومصالح الأمة" .

ولقد مرت هذه الممارسة – وكما تعلمون – بمراحل مختلفة كان آخرها مجلس الشورى هذا بنظامه الذي صدر عام 1412هـ ، وبتكوينه خلال دورتيه الأوليين وخلال هذه الدورة الثالثة التي نبتدئ اليوم سنتها الثانية ، ولقد ساهمت ممارسة المملكة للشورى مساهمة عميقة في تأكيد مبدأ الشورى أسلوب حكم ، ومنهج عمل ، وكان لنشاط المجلس الإيجابي ، وما قام به من جهود ، وما حققه من إنجازات على مختلف المستويات ، وما بناه من علاقات واتصالات ، دور رئيس في تأصيل فقه الشورى ، وتقديمه للعالم إسهاماً من المملكة في إثراء التراث البشري في فلسفة الحكم وأنظمته ، وكان من ثمار هذه الجهود أن احتل المجلس مكانة لائقة به ضمن خريطة المجالس النيابية على مستوى العالم العربي والإسلامي خاصة ، وعلى مستوى العالم عامة ، ليكون إضافة تؤكد الثراء الفكري الذي تتمتع به الحضارة الإسلامية ، وتبرز قدرة هذا الدين على التعامل إيجاباً مع متغيرات الزمان ، واستيعاب معطيات الحضارة ، والتفاعل معهما تفاعلاً بناء وواعياً بتجاوز السلبيات إن لم يصححها وبأخذ الإيجابيات والبناء عليها ، وهذا هو الحوار الحضاري المثمر الذي لابديل عنه .

أيها الأخوة الكرام :

يأتي هذا اللقاء بكم تقليداً حميداً جرت عليه العادة كل عام ، وتحقيقاً لما ورد في نظام المجلس ليكون مناسبة نستعرض فيها ما تم من إنجازات على الصعيد الداخلي والخارجي ، وما يمكن رسمه من سياسات في هذا النطاق ، وما نطمح إلى تحقيقه من مشروعات تهدف إلى خدمة الصالح العام ، وتصب في مصلحة المواطن الذي هو هدف جميع خطط التنمية ، وبرامج التطوير التي نفذتها الدولة في الماضي ، أو التي لازالت في طور التنفيذ ، أو سوف تعتمدها الدولة في مستقبل الأيام ، في منهج يقوم على تحقيق النمو المتوازن ، وتثبيت دعائم الأمن والاستقرار ، وتحقيق التنمية الشاملة لجميع القطاعات ، وسائر الفئات ، والحفاظ على ما تحقق من مكتسبات ، وما تم من إنجازات .

أيها الأخوة :

تشهد المملكة نهضة شاملة في جميع المناحي الاقتصادية والاجتماعية ، وهذه النهضة نتاج للخطط التنموية الطموحة التي استطاعت أن تحقق أهدافاً كثيرة ، ومكتسبات عديدة ، والسعي الآن إلى تعزيز هذه المكتسبات المختلفة في رفع مستوى المعيشة للمواطنين ، وتوسيع قاعدة الاقتصاد ، وتنمية الصادرات غير النفطية ، والمحافظة على الاستقرار الاجتماعي ، وتحقيق نمو اقتصادي متوازن ، وتنمية الموارد البشرية ، وتعزيز دور القطاع الخاص ، والمحافظة على ما تم من البنية الأساسية والعمل على استكمالها .

ونحن نعيش السنة الثانية من خطة التنمية السابعة فمن المناسب هنا أن نستذكر أن مما ركزت عليه تلك الخطة توفير الخدمات التعليمية ، وتدريب الكوادر السعودية التي تعد رافداً رئيساً في تعزيز القدرات الإنتاجية للكفاءات الوطنية ، والتعجيل بمعدلات التنمية الاقتصادية في ضوء المتغيرات والمستجدات على الصعيد المحلي والإقليمي والدولي ، وذلك من خلال تنشيط الاستثمار الخاص الوطني والأجنبي ، واتخاذ الإجراءات اللازمة لتعزيز التحسن في البيئة الاستثمارية ، ووضع التنظيمات والوسائل التي تخدم هذا التوجه ، وتحديث السياسات الاقتصادية لتواكب متطلبات العصر وظروفه وتحقق الاستجابة السريعة ، والمرونة اللازمة للتعامل مع المتغيرات والمستجدات على كافة المستويات .

وفي مقدمة الوسائل التي استحدثت والتنظيمات التي وضعت جاء إنشاء المجلس الاقتصادي الأعلى عام 1420هـ ، والذي يندرج ضمن أولويات اقتراح السياسات والإجراءات التي تستهدف تهيئة المناخ الاقتصادي المواتي للاستثمارات الخاصة وطنية وأجنبية ، وما تلا ذلك من صدور نظام الاستثمار الأجنبي بما تضمنه من حوافز ومزايا وإعفاءات وإنشاء الهيئة العامة للاستثمار.

وعلى الرغم من التقلبات في الإيرادات النفطية ، والتزام الدولة المستمر بتحقيق التوازن المالي ، فقد حرصت الدولة على الاستمرار في تمويل برامج خطة التنمية ومشروعاتها ، وتوفير مستويات جيدة من الخدمات الاقتصادية والاجتماعية التي تواكب متطلبات النمو ، وترتقي بالمستوى المعيشي للمواطنين.

أيها الأخوة :

لقد سعت الدولة لاستغلال ما أنعم الله به علينا من ثروات للقيام بتنمية متسارعة شملت جميع جوانب الحياة ، ولسنا في حاجة إلى تعداد ما تحقق من إنجازات في مجال التجهيزات الأساسية وتنمية الموارد الاقتصادية من نقل ومواصلات واتصالات ، وشؤون بلدية وقروية ، وتنمية صناعية وزراعية ومياه ، أو في مجال التنمية البشرية والاجتماعية والصحية وغير ذلك ، فتقارير منجزات الخطة السابعة الحالية زاخرة بأرقام هذه الإنجازات وحقائقها ودلالتها مما يبرز مرتكزات التنمية في المملكة ، وقيامها على محاور رئيسة في مقدمتها الاهتمام بالإنسان لأنه هدف التنمية ، وتنمية القوى البشرية ، وتحقيق الكفاية الاقتصادية في القطاعين الحكومي والخاص .

وإن ما تحقق من إنجازات ارتكز في مجمله على الحفاظ على العقيدة الإسلامية وتطبيق شريعة الله ، وترسيخ مبادئها ونشرها والدفاع عنها وعن الوطن ، والمحافظة على الأمن والاستقرار الاجتماعي للبلاد ، وتهيئة المواطن العامل المنتج وذلك بتوفير الروافد التي توصله لتلك المرحلة مما يؤدي إلى تنمية الموارد البشرية ، والتأكد المستمر من زيادة فرصها ، ورفع كفايتها لتخدم جميع القطاعات ، والاستمرار في إحداث تغيير حقيقي في البنية الاقتصادية بالتحول المستمر نحو تنويع قاعدة الإنتاج ، وبالتركيز على الصناعة والزراعة وتنمية الثروات المعدنية ، وتشجيع استكشافها واستثمارها والتأكيد على التنمية النوعية بتحسين أداء ما تم إنجازه من منافع وتجهيزات والعمل على تطويره .

كما أن الحكومة مهتمة بالإنجاز في الجانب التنظيمي للنهوض بما تقدمه من خدمات من خلال التطوير المستمر للتنظيم الإداري بغية تحسين نوعية الخدمات العامة ، وإنشاء الوسائل المناسبة للإسهام في ترشيد اتخاذ القرارات وتسريعها .

وإن مما يشغل بال الحكومة دائماً توفير المزيد من فرص العمل لأبنائنا وبناتنا ، وعلى الرغم مما يبذله القطاع الخاص من جهود في هذا المجال إلا أن من المأمول أن يتزايد دوره في توظيف العمالة الوطنية ، وأن تعمل جهات التعليم والتدريب في الوقت نفسه على تضييق الفجوة بين برامج التعليم والتدريب من جانب ، ومتطلبات سوق العمل من جانب آخر بحيث يكون هناك المزيد من التناغم بين هذه البرامج واحتياجات القطاع الخاص .

أيها الأخوة :

هناك بعض القضايا والإنجازات التي نود التركيز عليها ومنها قضية التقنية ، والتقنية في عصرنا الحديث من أهم الموضوعات التي يتحتم على جميع القطاعات التعامل معها بجدية كاملة ، ويتطلب هذا إيجاد صناعة نشطة وفاعلة قابلة للتطوير والمنافسة دولياً ، وبناء مجتمع معلومات مؤهل ، ووضع الخطط الوطنية لذلك ، وتحديد الأولويات واقتراح السياسات وما يرتبط بها من نشاط ومنتجات وخدمات وتطبيقات تتعلق بالإنترنت ، والتجارة الإلكترونية ، والتقنية الحيوية ونحو ذلك .

وإن توطين التقنية في المملكة يقوم على وجود خطة واضحة ومعدة وفق برنامج زمني يحدد المراحل المختلفة في عملية التوطين ، ووجود هدف واضح في التعامل مع ذلك يهتم بتشجيع الاستثمار في هذا المجال ، والمبادرات المتعلقة بزيادة فرص التأهيل والتوظيف ، والإفادة من الطاقات البشرية السعودية في أنشطة التقنية والمعلومات وهو ما نسعى لتحقيقه بمشيئة الله تعالى .

وكذلك فإن المملكة تتمتع بمناخ استثماري مشجع تدعمه حوافز للاستثمار في العديد من المجالات ، ويأتي نمو القطاع الخاص في المملكة ، واستثماراته الطموحة دليلاً على ذلك ، فبالإضافة إلى المزايا النسبية التي تتمتع بها المملكة ، وتوافر الخامات اللازمة للعديد من الصناعات فإن أنظمة المملكة لا تتضمن أي قيود على حرية تنقل الأموال إضافة إلى وجود نظام ضريبي للمستثمر الأجنبي يتضمن العديد من الحوافز والتسهيلات ، كما أن النظام الأساسي للحكم حظر في مادته التاسعة عشرة المصادرة العامة للأموال ، وقيد عقوبة المصادرة الخاصة بصدور حكم قضائي بها ، كما أن صدور نظام الاستثمار الأجنبي ، وإنشاء الهيئة العامة للاستثمار يعد منطلقات أساسية في هذا المجال .

كما أن لدى المملكة الإمكانات والخبرة اللازمة لتوظيف السياحة مصدراً من مصادر الدخل ، فالسياحة عنصر مهم ، ومحرك رئيس لتوسيع النشاط الاقتصادي بما تتضمنه من توظيف أعداد من المواطنين ، وإيجاد مزيد من الفرص لرؤوس الأموال الوطنية الصغيرة والمتوسطة الحجم ، وإتاحة مجال للأموال المستثمرة في الخارج لتجد طريق العودة للوطن ، حيث أن هناك قبولاً واسعاً من المجتمع لمفهوم السياحة ، واستعداداً للمشاركة فيها ، فضلاً عن أن التراث الثقافي الذي تزخر به المملكة يعد وسيلة جيدة لتطوير منتجات متميزة سياحياً ذات طبيعة محلية من حيث المحتوى والشكل ، في إطار الشريعة الإسلامية .

أما في مجال التنظيم فقد تم إصدار كثير من الأنظمة وتحديثها حيث صدر نظام المرافعات ، ونظام الإجراءات الجزائية ، ونظام ملكية الوحدات العقارية ، ونظام التسجيل العيني للعقار ، ونظام المحاماة ، ونظام التأمينات الاجتماعية ، ونظام الضمان الصحي التعاوني ، ونظام المؤسسات الصحفية وغيرها . ويعد إصدار هذه الأنظمة نقلة متميزة تبرز معطياتها إيجابياً على الوطن والمواطنين .

أيها الأخوة :

إذا كانت الإنجازات في مجال البناء الاقتصادي والتخطيط والتنظيم تقف اليوم شواهد تاريخية في مسيرة الشعب السعودي فإن ما تحقق في مجال السياسة الخارجية يؤكد أيضاً على الدور الفاعل للمملكة في توجيه سياستها الخارجية ، وقدرتها على صياغة المواقف التي تواجه بها الأحداث ، فسياسة المملكة الخارجية تقوم على ثوابت محددة تنطلق فيها من التزاماتها الإسلامية والعربية والدولية ، وتقوم على أساس من احترام سيادة الدول ، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية ، والمبادرات في حل المشكلات والأزمات الإقليمية والدولية . وكل ذلك جعل المملكة دولة تتسم سياستها بالرصانة والتعقل فأصبحت ولله الحمد تتبوأ مكانتها اللائقة عربياً وإسلامياً وعالمياً .

ولم تأل المملكة جهداً في النهوض بواجباتها تجاه الأسرة الدولية ، سواء كان ذلك في تقديم العون أو المؤازرة للقضايا الإنسانية ، أو في تبني قضايا الحق والعدل والانتصار لها ، فالعالم المعاصر بحضاراته وثقافاته يسير نحو مزيد من التقارب ، ونحو مزيد من التعاون المتبادل بين دوله ومجتمعاته ، ونحن في تعاملنا مع هذا كله لانحيد عما تمليه علينا شريعة الإسلام الغراء .

أيها الأخوة الكرام :

إن القضية الفلسطينية تشغل بال المملكة فلم تكن هموم الشعب الفلسطيني غائبة عنا في أي لحظة ، بل إنها تأخذ منا الاهتمام الأكبر ، وإن اهتمام المملكة العربية السعودية بقضية فلسطين يمثل توجهاً أصيلاً في السياسة السعودية ، إذ يعود إلى بدايات نشوء هذه القضية حيث بذلت المملكة كل طاقاتها لنصرة الحق الفلسطيني وفق ثوابت وضعها الملك عبدالعزيز – رحمه الله – وسرنا جميعاً على دربه من بعده ... وموقف المملكة من القضية الفلسطينية موقف ثابت يدعم حق الشعب الفلسطيني في أرضه ، وتحديد مصيره وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف وفي كل الفترات التي مرت بها القضية الفلسطينية كانت المملكة سنداً قوياً لنضال الشعب الفلسطيني في كفاحه المشروع .

وإن العدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين وما يشهده العالم حالياً من تقتيل وتدمير وحرق ، وتحطيم للبنية الأساسية والعمرانية وهدم للبيوت على سكانها ، واستخدام كل أنواع الأسلحة الفتاكة ، كل ذلك يحدث في الوقت الذي يقف فيه المجتمع الدولي عاجزاً تماماً عن ردع ذلك العدوان عن غيه وغطرسته.

من أجل هذا جاءت مبادرة السلام السعودية التي قدمت في اجتماع القمة العربية في بيروت ، وتبنتها القمة ، وأصبحت مبادرة سلام عربية لحل هذه القضية معطية الوجه الحقيقي للعرب الذين كانوا على الدوام طلاب سلام .

إن هذه المبادرة تهدف إلى سلام عادل وشامل ودائم دون التفريط في حقوق الشعب الفلسطيني وحقه في إقامة دولته من خلال تطبيق القرارات الدولية وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف ، وعودة اللاجئين ، وإنهاء الاحتلال للأراضي السورية واللبنانية كافة . ولقد وجدنا خلال زيارتنا إلى الولايات المتحدة الأمريكية تفهماً للموقف العربي لدى الرئيس جورج دبليو بوش وتلمساً لحل عادل مقبول ، ورغبة في دور نشط تمارسه الولايات المتحدة للوصول إلى هذا الحل .

وإننا نطالب المجتمع الدولي ، والدول المحبة للسلام بالتدخل لحماية الشعب الفلسطيني من هذا العدوان الشرس الذي يستخدم مختلف الأسلحة الفتاكة ، ونطالب المجتمع الدولي بإعمال قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة ، وانسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي المحتلة ، وتنشيط الوسائل اللازمة لتحقيق الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط .

أيها الأخوة :

أما فيما يتعلق بدورنا على الصعيد العربي والإسلامي فأنتم تعلمون حرص المملكة العربية السعودية على توحيد الصف العربي ، وعلى تعزيز التضامن الإسلامي ، واستثمار جميع إمكانات المملكة في مختلف المستويات بما يعود على أمتنا العربية والإسلامية بالخير والاطمئنان والاستقرار ، وبما يوفر الرخاء ويعزز فرص السلام في سائر أنحاء العالم . ونحن سعداء بما يتحقق بتدرج وهدوء وتعقل في منظومة مجلس التعاون لدول الخليج العربية ، وفي جامعة الدول العربية من تكامل في مجالات كثيرة ، ومن تنسيق في الأمور السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها .

أيها الأخوة :

نغتنم هذا اللقاء لتوجية الشكر لأمراء المناطق وللإشادة بما تقدمه مجالس المناطق من تعزيز للتنمية في البلاد ، ومن دفع لعجلة التطور في المناطق المختلفة كما نتوجه بالتقدير لمعالي رئيس المجلس ونائبه والأمين العام وجميع أعضاء المجلس ومنسوبيه على جهودهم الطيبة ، ونرجو لهم التوفيق والسداد ، ونسأل الله أن يوفق المجلس إلى أداء واجباته بما يحقق مصلحة الوطن والمواطنين .

هذا وفي الختام أوصيكم بتقوى الله في القول والعمل ، وان تضعوا مصلحة بلادكم نصب أعينكم ، وفوق أي اعتبار لأن المسؤولية كبيرة ، والأمانة ثقيلة أعاننا الله وإياكم على أداء حقها على الوجه الذي يرضيه ، وأبتهل إلى الله العلي القدير أن يديم علينا نعمة الإسلام ، وأن يكلأنا بعنايته ورعايته ، وأن يسبغ علينا نعمه ظاهرةً وباطنةً ، إنه على كل شئ قدير .

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،،،،

خطاب معالي رئيس مجلس الشورى فضيلة الدكتور/ صالح بن عبدالله بن حميد في الحفل السنوي بمناسبة بدء أعمال السنة الثانية من الدورة الثالثة المقام يوم الأربعاء 17 ربيع الأول 1423هـ

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين .

نائب خادم الحرمين الشريفين :

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أما بعد .

فبادئ ذي بدء أعبر لمقامكم الكريم عن بالغ الاعتزاز والامتنان للثقة الكبرى بمجلس الشورى ، وبكل ما يلقاه من دعم ومساندة من لدن خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز حفظه الله وسموكم الكريم ومن سمو النائب الثاني ، وحكومتكم الرشيدة .

والشكر والتقدير لزملائي أعضاء المجلس ومنسوبيه لما يتجلى فيهم من تلاحم وثيق ، وتصميم واثق على تحمل الأمانة وحمل المسؤولية على النحو الذي يرضي الله عز وجل ، ثم يحقق تطلعاتكم ويلبي آمال الوطن والمواطنين .

أيها الحفل الكريم :

في مثل هذه الأيام من العام الماضي ، كان فضيلة الشيخ الراحل محمد بن إبراهيم بن جبير ، رحمه الله ، يقف في هذا الموقف ، في سيرة كريمة من عطاء نصف قرن في خدمة دينه ومليكه ووطنه ، متوجاً ثماني سنوات من الإنجازات في تطوير هذا المجلس ، في منظومة منسجمة متكاملة مع الأجهزة الحكومية ومؤسسات البلاد لإقامة شرع الله الحنيف ، والحفاظ على مكتسبات الوطن وإنجازاته وتوطيد وحدته وأمنه ، واستشراف مستقبل مشرق وارف بإذن الله ، فجزى الله والدنا الراحل الشيخ/ محمد ابن جبير عما قدمه خير الجزاء ، وبلغه ما يتمناه من رضى ربه ومغفرته وإحسانه .

نائب خادم الحرمين الشريفين :

يأتي هذا اللقاء السنوي بمناسبة بدء أعمال سنة جديدة للمجلس في ظروف عالمية وإسلامية وعربية وإقليمية ، بالغة الحساسية والدقة وفي تحولات متعاظمة الخطورة وفي مقدمتها الاغتصاب الصهيوني الغاشم لفلسطين المحتلة ، قدساً ووطناً وشعباً وحرمات والذي ما يزال يكرس احتلاله بالاستيطان والقمع والإرهاب .

ومما يؤسف له أن العالم لم يظهر بعد وعيه أن هذا الاحتلا وما يمارسه من قهر وتمييز وعدوان هو مبعث الاضطراب والتوتر وعدم الاستقرار في المنطقة بأسرها .

وقد سجل التاريخ أن الأمتين العربية والإسلامية ، منذ اغتصاب فلسطين لم تدخرا وسعاً في السعي نحو السلام وإزالة الاحتلال وسلوك كل المسالك المشروعة الممكنة ويأتي في مقدمتها التوجه إلى مجلس الأمن والجمعية العمومية للأمم المتحدة ، ومن خلال مؤتمرات السلام والمبادرات المستندة إلى القرارات الدولية .

كما دون التاريخ أن المملكة كانت ومازالت في مقدمة الدول الراعية لقضية فلسطين والداعمة لها مادياً ومعنوياً ، وكان المجتمع السعودي ولا يزال بعواطفه ومساعداته وتضحياته في الصدارة لدعم هذه القضية .

ومن نافلة القول ، أن نشير إلى أن مجلس الشورى ، الذي يجد في قضية فلسطين قضية الإسلام والمسلمين الأولى ، ورمزاً للاستعمار القديم ، ومثالاً صارخاً للظلم والعدوان والبطش ، ما فتئ يعيش هذه القضية ويدافع عنها في كل محفل ولقاء ، ويقوم بمسئوليته في لفت نظر المنصفين من البرلمانيين والرسميين ورجال الصحافة والإعلام ، لإدانة الاحتلال ورفع الظلم عن الشعب الفلسطيني الشقيق .

لقد ظل المجلس منذ قيامه مقصد الكثيرين من الساسة وحملة القلم ورجال الفكر ، ينشدون عنده الحقيقة ويتبادلون معه الرأي والمعلومات .

نائب خادم الحرمين الشريفين :

لقد مرت تسع سنوات على بداية أعمال المجلس بعد تطويره ، وهي سنوات تأسيسية مهمة ، وضع خلالها الكثير من التنظيمات الإجرائية والتي تماثل في أسلوبها وتطبيقاتها المتبع في أمثاله من المجالس ، وقام بدراسة العديد من الموضوعات المتصلة بالسياسة العامة للدولة وأنظمتها ، ونال بكل اعتزاز ثقة القيادة وتطلعات المواطن وتفاعل المجتمع ، فأصبح بتوفيق الله ، وهو يدخل سنة العمل العاشرة ، مؤهلاً للانطلاق نحو مزيد من التطور ، من خلال مراجعة شاملة لنظامه ولمسيرته وإنجازاته ولأساليب عمله ، فالمجلس هو المطالب الأول ، بل أن يطالب غيره ، بتحقيق أكبر قدر من الفاعلية والكفاية الداخلية ، وتحاشي التأخير أو التقصير بأي مصلحة عامة ، وهي الأهداف نفسها التي كثيراً ما شدد عليها سموكم الكريم ، في خطاباتكم التوجيهية للمصالح الحكومية المسؤولة .

وإننا لمدركون ، أنه كلما ازدادت ثقة المواطن بالمجلس ووعيه بمسؤولياته ، ارتفعت تطلعاته لأن يقوم المجلس بدور أكبر على صعيد ممارسة الرقابة ومراجعة الأنظمة وتحديثها ودراسة القضايا الاجتماعية الملحة ، وأن يكون عوناً للأجهزة الحكومية في تحسين أدائها وتطوير خدماتها وسرعة إنجاز أعمالها .

وهذه الزيادة الثانية في عدد أعضاء المجلس تحمل في طياتها كما حملت سابقتها إيجابيات كبرى منها ما يتمثل في تنوع التخصصات وتوسيع المشاركة في اللجان وإفساح المجال لمزيد من شرائح المجتمع في إثراء المجلس وهي بالتأكيد من الأهداف التي يوجه المقام الكريم بتحقيقها .

نائب خادم الحرمين الشريفين :

تعود مجلس الشورى في مثل هذه المناسبة السنوية أن يقدم تقريراً عن أعماله في العام المنصرم ، وهذا هو العام الأول من دورته الثالثة ، وهو عام تخللته بعض الأحداث العالمية والإقليمية المؤلمة ، التي تفاعل معها المجلس ، وكرس جزءاً من نشاطه ، للإسهام في معالجة تداعياتها وتأثيراتها الداخلية والخارجية على المملكة .

فلقد طغت أحداث الانتفاضة الفلسطينية المباركة ، وما تبعها من هجمة صهيونية شرسة على الشعب الفلسطيني ومدنه ومخيماته ومكتسباته ، كما جاءت أحدث سبتمبر في الولايات المتحدة ، وما استتبعها من أحداث وتداعيات ، لتلقي جميعها بظلال كثيفة على الساحات الإقليمية والدولية . ولقد تفاعل المجلس مع تلك الأحداث ، فاستقبل كثيراً من الوفود البرلمانية والإعلامية والشعبية ، واشترك في العديد من النشاطات السياسية والإعلامية والشوريه في الداخل والخارج ، كما أسهم بدور فاعل في المؤتمرات والندوات التي عقدت في إطار اتحادات البرلمانات والمجالس العربية والإسلامية والآسيوية ، ولقد أبرز المجلس في كل تلك المنتديات دور المملكة وموقفها من كل هذه القضايا .

وما مبادرة سموكم الكريم وهي المبادرة التي تبنتها القمة العربية وأصبحت مبادرة عربية إلا حلقة في سلسلة جهود المملكة وتفاعلها الدائم مع هذه القضية .

نائب خادم الحرمين الشريفين :

لقد حافظ مجلس الشورى في عامه المنصرم على ما بدأه منذ أعوام ، من عقد جلساته بانتظام ، بواقع جلستين في الأسبوع ، كما عززت زيادة عدد الأعضاء ، من أعمال اللجان وساعدت في إثراء دراساتها ومناقشاتها .

وأعرض في هذا المقام بياناً موجزاً بمجموع اجتماعات المجلس ولجانه ، والموضوعات التي درسها والقرارات التي أصدرها :

فقد بلغت جلسات المجلس (ثلاثا وسبعين) جلسة ، أما اجتماعات اللجان المتخصصة فبلغت (مائتين وسبعة وثمانين) اجتماعاً ، كما عقدت اللجان الخاصة (تسعة وعشرين) اجتماعاً ، أما الموضوعات التي وردت للمجلس فبلغت (مائة وسعة عشر) موضوعاً ، وتبقى لديه (مائة وستة وعشرون) موضوعاً ، كما أحيطكم حفظكم الله أن المجلس أنجز (ستة وستين) موضوعاً ، وأصدر من القرارات (ستين ) قراراً .

وكان من أبرز الأنظمة التي درسها المجلس خلال العام الماضي :
 
  1. مشروع نظام الرهن التجاري .




  2.  
  3.  
  4. مشروع نظام السوق المالية .




  5.  
  6.  
  7. مشروع نظام بنك التسليف السعودي .


كما قام بدراسة جملة من الاتفاقيات الجمركية والاقتصادية والثقافية والرياضية والشبابية مع (11) دولة .

ولئن كانت هذه أرقاماً عددية في إحصاء الاجتماعات أو تعداد القرارات فلاشك جزماً أن المهم ليس في تعدادها ولكن الأهمية في مضامينها ومباني الحوار والنقاش فيها واستهداف الغايات الكبرى بما يخدم الدين والوطن .

إننا نؤكد لكم حفظكم الله أن المجلس يدرك أن المصلحة تكمن في العمل المتأني والمدارسة المتعمقة والحوار البناء من أجل الوصول إلى قرارات ونتائج بعيدة المدى عميقة الأثر بإذن الله تستهدف مصالح البلاد والعباد منسجمة مع عقيدتنا وشريعتنا لا تحيد عنها .

نائب خادم الحرمين الشريفين :

وفي هذه المناسبة السنوية العزيزة لايمكن أن لاتذكر مناسبة كبرى ووقفة في مسيرة هذه البلاد متميزة تلكم هي مناسبة مرور عشرين عاماً على تولي خادم الحرمين الشريفين – حفظه الله – وألبسه لباس الصحة والعافية مقاليد الحكم وقيادة هذه البلاد . إنها مسيرة مليئة بالعطاء والإنجاز ، من إضاءاتها حمله – حفظه الله – للقب خادم الحرمين الشريفين وقبل ذلك وبعده اتخاذه للخطوات الكبرى في تنظيم البلاد حين أصدر الأنظمة الثلاثة النظام الأساسي للحكم ونظام مجلس الشورى ونظام مجالس المناطق ، ناهيكم بما اشتملت عليه خطط التنمية وترسيخ البنية الأساسية والتوسعة الكبرى للحرمين الشريفين وكلها كانت تستهدف الإنسان السعودي . لقد كانت مسيرة رائدة في إنجازاتها على الأصعدة كافة الداخلية والخارجية والإقليمية والدولية ، إنها تجسد بعد النظر ونهج الحكمة والشجاعة في اتخاذ القرار ولاسيما في إدارة الأزمات . ولايمكن تجاوز هذه الإشارة دون التنوية بالاهتمام الخاص بالشأن الإسلامي في دوله وأقلياته ، دعوة إلى الله ودعماً لقضاياه ومشاركة في همومه ، يسنده في ذلك عضده الأيمن سموكم الكريم وسمو النائب الثاني ومن بعدهما رجال الدولة أعانهم الله وسددهم .

نائب خادم الحرمين الشريفين :

أجدد العرفان لمقام خادم الحرمين الشريفين ولسموكم الكريم ولسمو النائب الثاني ، على ما يلقاه المجلس من مساندة وثقة ، وأتوجه بعميق التقدير ووافر التحية لزملائي معالي النائب ومعالي الأمين العام والعاملين معه وإلى أصحاب الفضيلة والمعالي والسعادة أعضاء المجلس لما يتميز به أداؤهم من عمل جماعي جاد .

وأسجل هنا بقلم التقدير أنه لولا عون الله عز وجل وتوفيقه ثم جدية الزملاء في العمل وحيادهم في الطرح وموضوعيتهم في المعالجة والتزامهم بآداب الحوار لما توصل المجلس إلى هذه النتائج المرضية والتي تقود بإذن الله إلى مزيد من الطموح والآمال الكبار في العطاء والتطلعات .

وأختتم كلمتي هذه بما بدأتها به ، بحمد الله على فضله وتمكينه وعلى ما تتمتع به مملكتنا الغالية لمواطنيها ، والتنمية والرخاء في مجتمعها .

ونسأل الله العلي القدير أن يزيدنا إحساناً وتوفيقاً وأن يثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ، وأن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه تعالى وأن يحفظ هذه البلاد خاصة ، وبلاد المسلمين عامه بحفظه ورعايته .

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،،،،،