كلمة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود – حفظه الله ورعاه – في افتتاح أعمال السنة الثالثة من الدورة الثالثة لمجلس الشورى 16 ربيع الأول 1424هـ

بسم الله الرحمن الرحيم

أيها الأخوة الأعزاء :

أعضاء مجلس الشورى الموقر :

باسم الله أفتتح هذه الدورة من أعمال مجلس الشورى ، متوجهاً إلى المولى جلت قدرته بالحمد والشكر على نعمه التي لا نحصيها ، ومستمداً منه سبحانه العون والتوفيق .

إن شعبنا السعودي النبيل من منطلق إيمانه بثوابته الإسلامية وقيمه العربية يرفض الإرهاب بكافة صوره وأشكاله ، ولن يسمح لفئة من الإرهابيين المنحرفين أن يمسوا الوطن وسلامة أبنائه والمقيمين فيه ، ولن يسمح –إن شاء الله- بوجود فكر ضال يشجع الإرهاب ويغذيه ، حتى عندما يحاول هذا الفكر الضال التظاهر بالتدين ، والدين الحنيف من الإرهاب وفكر الإرهاب براء ، وأن هذه الأمة قد توحدت على ضرورة القضاء على كل مظاهر آفة الإرهاب ، وهي قادرة بحول الله وقدرته وتعاون مواطنيها على تحقيق ذلك .

وإذا كنا أيها الأخوة ، نرفض التدخل في شؤوننا الداخلية من أي جهة كانت ، وتحت أي ذريعة ، نحن حريصون كل الحرص أن تظل كل شؤوننا الداخلية عرضة للمراجعة الذاتية ،التي لا تستهدف سوى الإصلاح ، والإصلاح ضالة المؤمن ، لا ينبغي أن يثنيه عنه ما يردده المتصيدون في الماء العكر من أن محاولات الإصلاح هي استجابة لضغوط خارجية ، والحقيقة التي تعرفونها ويعرفها الشعب السعودي كله هي أن مسيرة الإصلاح لم تنقطع وسوف تستمر بإذن الله .

وقد لمستم أيها الأخوة ولمس الشعب السعودي ما تم على صعيد الإصلاح في ميادين حياتنا السياسية والإدارية والاقتصادية والاجتماعية ، وسوف أكتفي بأن استعرض معكم موجزاً لما تم الوصول إليه تاركاً التفاصيل التي لا يتسع لها المقام ، لقد كنتم أيها الأخوة أعضاء المجلس شركاء حقيقيين للحكومة في مجال التطوير السياسي والإداري ، وأود أن أشير هنا إلى أن عدداً من المبادرات المتعلقة بإعادة الهيكلة الحكومية ولدت في مجلسكم ، ثم نوقشت ودرست باستفاضة ، وجاء التشكيل الوزاري الجديد مجسداً بعض هذه المبادرات ، ولا زال البعض الآخر في طور الدراسة ، ولا يفوتني أن أنوه بأهمية الأنظمة المتعلقة بالتقاضي والإجراءات الجنائية ، وهي أنظمة درسها مجلسكم الموقر بعمق وصدرت بحمد الله وتوفيقه ، مستهدفة تسهيل إجراءات التقاضي ، وإيصال العدالة إلى المواطنين ، وحمايتهم من تجاوزات السلطة العامة ، وفي السياق نفسه صدرت الموافقة بقيام جمعية أهلية تعنى بحقوق الإنسان ، هذه الحقوق التي كان الإسلام أول من نادى بها ، وسيتبعها –بحول الله- إنشاء مؤسسة حكومية تعنى بالحقوق نفسها ، حتى تتضافر جهود الدولة والمواطنين لحماية الكرامة التي أرادها الخالق –عز وجل- للبشر أجمعين ، والعزة التي أرادها جل شأنه لعباده المؤمنين ، وأحب أن أؤكد لكم أننا سنستمر في طريق الإصلاح السياسي والإداري ، وسنعمل على مراجعة الأنظمة والتعليمات ، وإحكام الرقابة على أداء الأجهزة الحكومية ، وتوسيع نطاق المشاركة الشعبية ، وفتح آفاق أوسع لعمل المرأة في إطار تعاليم الشريعة الغراء ، وغني عن الذكر أن مجلسكم الموقر سوف يقوم بدوره الكامل في تحقيق الإصلاحات المنشودة .

وفي المجال الاقتصادي قامت الدولة بمبادرات عديدة تستهدف تحرير الاقتصاد من العوائق الروتينية ، وتشجيع المستثمرين من الداخل والخارج ، وتخصيص المرافق الاقتصادية وتمليكها للمواطنين ، والعناية بقطاع السياحة ، ومراجعة الأنظمة الضريبية ، ولا أدل على اهتمام الحكومة بالاقتصاد من إنشاء المجلس الاقتصادي الأعلى وإنشاء وزارة للاقتصاد والتخطيط ، إن الإصلاح الاقتصادي عملية مستمرة طيلة الوقت وهي عملية بالغة الأهمية ، يتوقف على نجاحها نجاح التنمية الاقتصادية وتحسن أوضاع المواطن المعيشية .

ولا يفوتني – والحديث عن الإصلاح الاقتصادي- أن أركز على مشكلتين رئيسيتين هما البطالة والفقر ، وأنتم أيها الأخوة الأعزاء تعرفون تمام المعرفة جهود الدولة لتوطين العمالة ، ونشر السعودة ، كما تعرفون أنه لا بد للتغلب على مشكلة البطالة من جهود إضافية لتوفير المزيد من الفرص التعليمية والتدريبية لأبنائنا ولبناتنا ، ومن مراجعة التخصصات الأكاديمية بحيث تلبي حاجة المجتمع إلى الفنيين والمهنيين .

وفيما يتعلق بمشكلة الفقر قامت الدولة بمبادرة رائدة سلطت الأضواء على المشكلة ، وهناك الآن دراسات عميقة لظاهرة الفقر يقوم بها نخبة من الخبراء السعوديين ، نأمل أن تصل إلى توصيات فعالة يلمس المواطنون –بإذن الله- آثارها الإيجابية في كل مكان ، إلا أن مسيرة الإصلاح لا يمكن أن تثمر الا في جو من الوئام الاجتماعي القائم على الوحدة الوطنية ، وهنا لا بد من التنبيه إلى أن الوحدة الوطنية تتعارض مع الطروحات المتطرفة وتتطلب أجواء صافية من الحوار الأخوي الهادئ ، وإذا كان تبني الخطاب الوسطي المعتدل مسؤولية في عنق كل مواطن ، فهي مسئولية تقع في الأساس على عاتق علمائنا الأفاضل الذي نعول –بعد الله- عليهم في نشر التسامح الذي تمتاز به شريعتنا السمحة ، وفي إنقاذ شبابنا من شر الأفكار المدمرة التي تبث الغلو والكراهية ، ولا تنتج سوى الخراب والدمار .

أيها الأخوة الأعزاء :

لقد علمتنا التجارب في شرق الأرض وغربها أن الإصلاح الحقيقي هو الإصلاح النابع من عقيدة الأمة وتراثها ،الإصلاح الذي تقبل علية الأمة لا مسوقة ،الإصلاح الذي يتم بتدرج وسلاسة متجنباً السرعة المهلكة والبطء القاتل ، وسوف يكون هذا المنهج الإصلاحي –بإذن الله- منهجاً نمضي فيه بثقة وإيمان ، مرددين قوله -عز وجل – ] إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله[ .

ولئلا يجهل أحد جدية الدولة في المضي في الإصلاح على النهج التطويري الذي ارتضيناه ، وبالمصداقية التي تقوم على الفعل لا القول ، فإنني أقول لكل مواطن ومواطنة أن لكل منا دوراً وعلى كل منا مسؤولية ، لم يعد هناك وقت للتواكل ولوم الآخرين والتشكيك في صدق ونزاهة من يريد الإصلاح ، وأقول لكل مسؤول في الحكومة ، أن المسئولية شرف وتقضي بواجبات ولا تمنح حقوقاً ، وأقول لكل رجل أعمال إن الوطن ليس رأس مال وربح فقط ، وإنما استثمار في أمنه وأمانه ، وأقول لكل مواطنة أختاً كانت أم أماً أم ابنة أم زوجة ، إن هذا الوطن للجميع ، وإن المواطنة الصالحة شريكة في صنع المستقبل كما هو المواطن الصالح ، وأقول للمسئولين عن التعليم بجميع مراحله أنهم هم الحاضنون لأجيال المستقبل وأن المناهج الهادفة الخيرة هي التي تغرس الأفكار والقناعات في الأذهان الغضة والنفوس البريئة لما فيه خير الأمة وصلاحها . كما وأن الخلل في التعليم –لا سمح الله- سبب رئيسي لأي انحراف فكري أو أخلاقي أو عجز عن العمل والمشاركة ، وأقول للإعلاميين والمثقفين إن الإعلام ليس ترويجاً وإن الثقافة ليست وجاهة ، وإن الوحدة الوطنية والحضور على المستوى العالمي مرهون بإعلام مسئول وحركة ثقافية مبادرة ومتنوعة ، وأقول لكل المواطنين إن من أوجب الواجبات مواجهة ضيق الأفق والإقليمية والفرقة الاجتماعية ، وهي من الأمور التي يتطلبها ديننا قبل أن تتطلبها وحدتنا الوطنية ، وأقول لكم أعضاء مجلس الشورى ، ومثلكم أعضاء مجلس المناطق والمحافظات إنكم مطالبون بتحسين أدواتكم وأخذ مسئولياتكم في السياق الذي يجب أن تؤخذ فيه سياق المشاركة ومراقبة أداء الأجهزة الإدارية ، وأقول للجميع إنه لم يعد بيننا مكاناً لمستفيد من موقع أو مستغل لنفوذ .

أيها الأخوة :

لا شك أنكم تألمتم كما تألمنا للأحداث الدامية التي شهدها العراق الشقيق ، هذه الأحداث التي لم ندخر وسعاً للحيلولة دون وقوعها ، ولن ندخر وسعاً الآن لمعالجة آثارها وتداعياتها ، آملين أن يخرج العراق من محنته ، ويعود وطناً عربياً مستقلاً مزدهراً يعيش بسلام مع جيرانه ويتمتع أبناؤه فيه بالسلام والرفاه.

ولا يفوتني في هذا الصدد ، أن أسجل للشعب السعودي الكريم وقفته الأصيلة المسئولة ، فقد تابع التطورات بوعي وحكمة ، وكان حريصاً على وحدة هذا الوطن الغالي بعيداً عن أسباب الفرقة ودواعيها ، وهو يقف الآن في صف أشقائه العراقيين ماداً يد العون والدعم ، مستعداً لتحمل نصيبه الكامل من الجهد والتضحية لإعادة إعمـار العراق .

أيها الأخوة الأعزاء :

إن التزام المملكة بالقضية المحورية العربية ، وهي القضية الفلسطينية وتحقيق الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني ، لا يزال يشكل قاعدة أساسية للسياسة الخارجية للمملكة .

وفي هذا الإطار ، فقد دعمت المملكة كافة المبادرات الرامية إلى إحياء عملية السلام بما في ذلك "خارطة الطريق" ونجحت مع شقيقاتها الدول العربية في أن تكون المبادرة العربية التي تم اعتمادها في قمة بيروت العربية مرجعية لخارطة الطريق ، والتي نرى ضرورة أن يصدر بشأنها قرار من مجلس الأمن لكي تكتسب المصداقية اللازمة ، على أنه لا بد من التنويه في هذا الصدد إلى ضرورة وقف الاعتداءات المستمرة التي تقوم بها إسرائيل والممارسات العدوانية التي ترتكبها في الأراضي العربية المحتلة وحماية الفلسطينيين من هذه الاعتداءات ليتمكنوا من القيام بالمسئوليات الملقاة على عاتقهم ، وأما إذا استمرت إسرائيل في عدوانها وفي فرض الحصار الاقتصادي على الفلسطينيين وعدم إعلانها موافقتها على خارطة الطريق ، فمن الواجب على المجتمع الدولي وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية بذل كل ما يمكن لثني إسرائيل عن تماديها في اتخاذ هذه المواقف المتصلبة .

أيها الأخوة الأعزاء :

إننا نواجه عالماً يقف على مفترق طرق ، حيث انقلبت مفاهيم وقامت مفاهيم ، وسقطت تحالفات ونشأت تحالفات ، وتراجعت مبادئ النظام الدولي ، وحلت صيغ جديدة لم تظهر تداعياتها حتى الآن ، كما أن ثورة المعلومات قد أثرت على كل مرتكزات العالم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ، ودول العالم جميعها شمالها وجنوبها تتعامل مع كل هذه التغيرات ، تحاول فهمها وربطها بواقعها الثقافي والاجتماعي والسياسي ، وتسعى لتطويعها لإرثها التاريخي ولمنظومة قيمها ، ونحن أيها الأخوة ، جزء من هذا العالم لا نستطيع الانفصام عنه ، ولا يمكن لنا أن نسكن والعالم يتغير ، وليس لنا أن نرضى بمقاعد المتفرجين والكل يتسابق في تشكيل قسمات العالم الجديد ، خاصة وأن هذا البلد يقع في قلب الأمة الإسلامية ، وهو مهد العروبة ، فعلينا جميعاً أن نكون أهلاً لهذا التحدي ، ولا يمكن أن نكون كذلك إلا إذا حافظنا على عقيدتنا السمحة وضمنا وحدتنا الوطنية ، ووحدنا رسالتنا في الداخل والخارج ، وتعاضدنا في حمل المسئوليات وأداء الواجبات .

يقول الله سبحانه وتعالى في محكم التنزيل : )يا ايها الذين أمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم وأعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون . واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة وأعلموا أن الله شديد العقاب . واذكروا إذ انتم قليل مستضعفون في الأرض تخافون ان يتخطفكم الناس فأواكم وأيدكم بنصره ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون( . صدق الله العظيم .

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،،،،

خطاب رئيس مجلس الشورى في افتتاح أعمال السنة الثالثة من دورته الثالثة السبت 16 ربيع الأول 1424هـ الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، وبعد .

خادم الحرمين الشريفين :

أصحاب السمو الملكي الأمراء ، أصحاب المعالي ، والسعادة ، أيها الحفل الكريم .

يشعر مجلس الشورى بالاعتزاز وهو يعبر في هذه الأيام ثمانين عاماً منذ أن غرس المؤسس الراحل –رحمه الله- بذرته الأولى سنة 1343هـ ، عندما أصدر أمره بتشكيل مجلس أهلي اصبح بعد عامين أول مجلس للشورى في هذه البلاد.

وفي الوقت ذاته يشعر المجلس بالفخر ، وهو يكمل عامه العاشر ، منذ أن أعيد تكوينه في عهدكم أعزكم الله .

وأجد هاتين المناسبتين فرصة لاستعراض مجمل الإنجازات التي حققها مجلس الشورى الجديد خلال عقده الأول ، وهي إنجازات ما كانت لتتم لولا فضل الله وتوفيقه لكم رعاكم الله حيث أردتم لهذا المجلس أن يمارس وظائفه وصلاحياته في تنظيم مطور ، وأسلوب معاصر .

غير أن ما حدث في مدينة الرياض منذ ايام من تفجير لمجمعات سكنية يقطنها جنسيات متعددة سعوديون وغير سعوديين حدث لا يمكن تجاوزه أو إغفاله فهو عمل إجرامي إرهابي آثم أزهق نفوساً معصومة وأتلف أموالاً محترمة .

إن المجلس إحساساً منه بمسؤوليته واقتناعاً منه بأن هذه عمليات إرهابية إجرامية آثمة تستهدف النيل من أمن الوطن وسلامته وتسعى إلى غايات تدميرية لوحدة الأمة ومقدراتها ومكتسباتها .

إن المجلس يقف بصورة حازمة في استنكار هذه الفعلة الشنيعة ويدين فاعليها ، فذلك كله إفساد في الأرض وقتل للأنفس التي حرم الله وإتلاف للأمول والممتلكات .

وإن المجلس وهو يستنكر ذلك يقف مع الدولة في كل ما تتخذه من خطوات لمتابعة المجرمين ومن أعانهم أو وقف ورائهم وملاحقتهم ومعاقبتهم ويؤيد جهود الدولة كلها لحماية أمن كل من يعيش على أرض الدولة . حفظ الله بلادنا من كل مكروه .

خادم الحرمين الشريفين :

توافر للمجلس نظام مدروس بعناية ، وأعضاء تم اختيارهم من مختلف الفئات والتخصصات والخبرات إضافة إلى مبنى متكامل التجهيزات ، وهي عناصر أساسية في البناء والعمل ، فظهر المجلس ، بتوفيق الله ، على مستوى الثقة به ، محققاً لآمال قيادة الوطن ، وتطلعات المواطنين .

إن أعضاء المجلس يكونون مجموعة متجانسة ، اجتمع فيها العقل ، والتجربة ، والعلم ، والخبرات المتراكمة ، تلتقي تحت قبة هذا المجلس ، تجمعها غاية واحدة ، هي خدمة الدين والوطن ، لا تشتتها منافسات وظيفية ، ولا تشغلها مصالح شخصية ، في مناخ من الممارسة الفكرية الموضوعية الهادئة ، طرحها متزن ، ونقاشها حي ، ومعارضتها مؤدبة .

خادم الحرمين الشريفين :

لقد اتسعت أروقة المجلس لاستيعاب الرأي الآخر ، وإفساح الصدر لقبول النتيجة التي تراها الأغلبية .

إن عضو المجلس ينطلق في نقاشه وطرح آرائه من دينه ، وأمانته ، وقدراته ، واجتهاده ، وموضوعيته ، وخبرته .

ومن المؤكد أنه يستشعر مسؤوليته حين يعطى الرأي المستقل المتجرد ، والمشورة المخلصة ، متجرداً من أي تبعية إدارية ، أو انتماء وظيفي ، أو رقابة سوى مخافة الله ، وضميره الحي ، مع استذكار للقسم الذي أداه .

لقد واكب المجلس المستجدات ، وانطلق بفاعلية يمارس واجباته التنظيمية والرقابية ، ويتفاعل بكفاءة وحركة مع الأحداث ، ويعمل على تجديد إجراءاته وأدواته وأساليبه ، وينمي علاقاته مع محيطه .

أيها الحفل الكريم :

لقد أدرك المجلس أهمية توطيد صلاته البرلمانية مع الهيئات والاتحادات والمجالس النيابية في أنحاء العالم ، ذلك أن العمل البرلماني يكون إحدى الدعائم الأساسية لرسم السياسات الدولية . كما أدرك أن الاتحادات البرلمانية تكتسب أهمية متزايدة وتتدخل بشكل مؤثر في العلاقات الدولية والدبلوماسية ، ولهذا بادر المجلس –بناء على الموافقة السامية الكريمة- بالسعي للانضمام لتلك الاتحادات البرلمانية ، وقد تم –بفضل الله- قبول طلبه حيث حصل على العضوية الكاملة فيها ، وكان أبرز ذلك وآخره انضمامه إلى الاتحاد البرلماني الدولي بعد سلسلة من الجهود بذلها فريق من المجلس كون لذلك الغرض .

ويأتي هذا الانضمام ليرسخ تجربة المملكة في مجال الشورى على الصعيد الدولي ويعزز صوتها تجاه قضايا العالم . وهو –في الوقت نفسه- اعتراف دولي وإجماع عالمي على مكانة مجلس الشورى ودوره في المهمتين التنظيمية والرقابية . كما يأتي مبرزاً نهج المملكة في الشورى التي هي جزء من نظام الحكم في الإسلام الذي تسير عليه الدولة في شؤونها كافة ، ومؤكداً على ثقل دولتنا الدولي في السياسة والاقتصاد .

وإننا لمدركون في الوقت ذاته أن هذه الموافقة الدولية على انضمام المجلس دافع آخر للمجلس نحو تطوير آليات عمله وتعزيز صلاحياته بما يتماشى ومتطلبات المرحلة ويتوافق معها ، وبما يرسخ ثوابتنا وقيمنا الإسلامية.

ولا يفوتني في هذا المقام أن أنوه بالدعم والمساندة من لدن صاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية الذين كان لهما الأثر الكبير في تحقيق هذا الهدف ، فله منا خالص الشكر ووافر التقدير وجميل الثناء .

ومن جانب آخر فقد طور المجلس قنوات اتصاله مع المجتمع ، وفتح أبوابه لاستقبال المواطنين ، ورجال الصحافة والإعلام ، لحضور جلساته ، ومتابعة مداولاته ، وهو مع ذلك في سبيل مزيد من الانفتاح المدروس المنظم تحقيقاً لرغبة المقام الكريم ، لأنه الوسيلة القريبة لتعريف المواطن بأعمال المجلس ، ولضمان المزيد من تفاعل المجتمع معه .

ولقد سعد المجلس خلال العام المنصرم بحضور عدد من كبار المسؤولين والتحاور معهم ، وكان في طليعتهم سمو ولي العهد ، وسمو النائب الثاني حفظهما الله ، وكانت تلك اللقاءات مثمرة وبناءة ، ودرجة الشفافية والصراحة فيها عالية .

وهكذا ، فإن المجلس يغتبط وهو يستمد كثيراً من حيويته وفاعليته من دعم سام غير محدود ، وثقة متجددة ، وتعاون مع الحكومة وتفهم لمتطلبات المواطن وتطلعاته ، هدف الجميع خدمة الدين والوطن ، ومصلحة الأمة جمعاء ، وتأمين الحياة الكريمة لمن يعيش على هذه البلاد الطيبة .

خادم الحرمين الشريفين :

إن قيادتكم الكريمة تتفاعل مع كل ما يصدر عن المجلس ، كما تتفهم رغبتنا في تطويره ، وتطلعنا لزيادة صلاحياته التنظيمية والرقابية ، وإنها تترجم الثقة به بخطوات موزونة ، بل نعلم أن المقام الكريم ، ومنذ أن صدرت الأنظمة الرئيسية الأربعة مهتم بتحقيق العديد من نواحي التطوير الشاملة ، والإصلاح الاجتماعي ، والإداري ، وإعادة الهيكلة لأجهزة الدولة ، بأساليب نابعة من بيئتنا ، ومنسجمة مع قيمنا ، ومحافظة على عقيدتنا وثوابتنا . ويأتي التشكيل الوزاري خطوة في هذا السبيل .

لقد ظلت تطلعات المواطن ، إحدى مدركات المجلس في عمله ، تترسمها لجانه ، وتستشهد بها مداولاته ، وتسترشد بها قراراته ، وكان من آخر ما تبناه المجلس من تجديد إحداث لجان متخصصة للبحث العلمي ولشؤون البيئة ، ولحقوق الإنسان ، ولشؤون الأسرة .

إن مجلس الشورى ،أيها الأخوة ، يثمن حكمة الدولة في التعامل مع الأحداث ببصيرة مستنيرة ، وتجنيب البلاد مخاطر الفتن والانقسامات ، كما يتابع بالاهتمام والتقدير الحرص على السير بسفينة البلاد نحو مرافئ الأمان ، بعيداً عن مزالق التهور والاندفاع ، في عالم محموم بالصراعات ، مع استمرار دفع عجلة التنمية والرخاء والخدمات ومعالجة معوقاتها ، والعمل بإيجابية على وفاء المملكة بالتزاماتها الداخلية والخارجية ، وهي لا تألو جهداً في دفع الأضرار ، ورفع الظلم والعدوان ، والسعي دوماً لرأب الصدع وإصلاح ذات البين ، ونصرة الأشقاء ، وإغاثة المحتاجين .

كما يعبر المجلس عن بالغ اعتزازه باللحمة الوطنية ،والشعور الجياش ، الذي ساد أرجاء بلدنا ، للحفاظ على وحدته وتلاحمه ، أمام الأزمات التي مرت بالمنطقة ، ورفضه للإرجاف والحملات والتسريبات العدائية التي تستهدف لحمته ، وتمس تماسكه ، وتتناول منجزاته . وما هذا إلا انعكاس للرباط الوثيق بين الشعب وولاة أمره ، ونتاج أواصر التعاون والجهد المشترك لبناء هذا الوطن وتكريس اندماجه .

لا أريد ، حفظكم الله ، أفصل في تعداد ما أنجزه المجلس خلال عامه المنصرم ، مما هو معروف لدى مقامكم الكريم ولدى المواطن العزيز ، لكنني أوجزه بالقول بأن جهود أعضائه ومنسوبيه كافة قد تضافرت في إنجاز ما أوكل إليه ، واستثمار الوقت في التفاعل مع هموم الوطن والأمة ، في هذه الظروف الدقيقة التي نمر بها .

كما لم ينس المجلس ، كما أسلفت – في ذروة ما تمر به المنطقة من أحداث جسام ، وفي غمرة انشغاله بإنجاز أعماله – أن يواكب التطوير النوعي لأدائه ، ولإجراءاته ، ولإدارة أجهزته ، ولكفاءة منسوبيه .

أما على الصعيد الكمي ، فقد نظر المجلس خلال العام الشوري المنقضي في (80) موضوعاً رئيسياً ، عقد من أجلها نحو (85) اجتماعاً عادياً ، أو استثنائياً ، بواقع اجتماعين في الأسبوع الواحد ، أما اجتماعات الهيئة العامة للمجلس ولجانه الرئيسية والخاصة ، فقد بلغت (450) اجتماعاً .

وكان من أبرز الموضوعات التي أكمل المجلس دراستها خلال العام الماضي على سبيل المثال : التقويم الشامل للتعليم ،وأنظمة السوق المالية ،وضريبة الدخل على الشركات ،والمهن الصحية ، والرهن التجاري ، والثروة الحيوانية ، وحقوق المؤلف ، والتأمين الصحي ، والاستثمار التعديني ، وذلك فضلاً عن العديد من القضايا ، والأنظمة ، واللوائح ، والاتفاقيات ، والمعاهدات الدولية .

خادم الحرمين الشريفين :

والمجلس يدخل عامه الثالث في دورته الثالثة ، أتوجه إلى مقامكم الكريم وإلى صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء رئيس الحرس الوطني وإلى صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران المفتش العام بوافر الشكر والامتنان على ما يلقاه المجلس من دعم وإسناد .

كما أتقدم بالشكر لأخي معالي النائب الأستاذ/ بكري بن صالح شطا ، وللإخوة الزملاء جميع أعضاء المجلس ، ولمعالي الأمين العام الأخ الدكتور/ حمود البدر ، ولكل منسوبي المجلس خالص التقدير على جهودهم .

وفي الختام ، اسأل الله العلي القدير أن يحفظ بلادنا العزيزة من كل مكروه ، وأن يديم عليها نعمة الأمن والرخاء والاستقرار .

والسلام عليكم ورحمة الله بركاته ،،،،،،،