كلمة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود –رحمه الله- في افتتاح أعمال السنة الأولى من الدورة الرابعة للمجلس ربيع الأول 1426هـ

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبيه ورسوله محمد الأمين .

أيها الإخوة أعضاء مجلس الشورى .

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته : وبعد :

بسم الله الرحمن الرحيم ، وعلى بركة الله عز وجل نفتتح أعمال السنة الأولى من الدورة الرابعة لمجلس الشورى ، ونسأله تعالى أن يبارك جهودنا جميعاً وأن يجعـل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم ، وأن يوفقنا لخدمة دينه الحنيف ، ثم خدمة وطننا الغالي ، وأبنائه الأعزاء .

أيها الإخوة :

إن الشورى أحد المبادئ التي جاء بها الإسلام لتكون أسلوباً للتعاون على أداء الأمانة ، والتكاتف في تحمل المسؤولية ، فتتجلى فيها صورة من صور العمل الجماعي بين أفراد المجتمع ومؤسساته . وتمثل الشورى دعائم أصيلة راسخة قامت على أساسها المملكة العربية السعودية ، ومارستها منذ ثمانين عاماً ، وكلما أوغلنا في دراستها وتطبيقاتها اتضحت في أذهاننا صورتا : الأصالة والتطوير .

وتأكيداً للدور الإيجابي الذي يقوم به مجلس الشورى ، وما يمثله من مساندة للحكومة في الأمور التنظيمية ، تم تعديل المادة الثالثة من نظام المجلس اعتباراً من الدورة الثانية لزيادة عدد أعضائه من (60) عضواً إلى (90) عضواً ، ثم إلى (120) عضواً في دورته الثالثة ، ثم إلى (150) عضواً في هذه الدورة . مما أضفى على المجلس طابعاً عملياً حقق لـه المزج بين ممارسته في دوراته كلها ، والارتقاء التدريجي بالعمل كماً ونوعاً .

أيها الإخوة :

الإسلام دين رحمة وسلام ، يهدي إلى الخير ، ويدل عليه ، وينهى عن الشر ، ويحذر منه ، ويدعو إلى التعارف بين الأمم ، والتعايش السلمي ، ويحرم البغي والعدوان والإفساد في الأرض . فليس في ديننا مكان للعنف أو التعصب أو التطرف ، أو القهر أو الإرهاب ، أو الاعتداء على النفوس المعصومة والممتلكات . فدين الإسلام بريء من هذه التصرفات . والمسلم الحق أبعد ما يكون عن القيام بهذه التصرفات ، أو التعاطف مع منفذيها . ولن نسمح لفئة مفسدة يقودها فكر منحرف أن تمس أمن هذا الوطن ، أو تزعزع استقراره .

والمملكة العربية السعودية لم تأل جهداً ، ولن تألو ، في التصدي للإرهاب بكافة صوره وأشكاله ، فهي تحاربه محلياً ، وهي ملتزمة بالدعم التام لقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة بمحاربته .

ومن هذا المنطلق ، أقامت المملكة العربية السعودية حملة للتضامن الوطني ضد الإرهاب استمرت فعالياتها خمسة عشر يوماً من25/12/1425هـ وشملت جميع القطاعات ، وكل الجهات ، وقد بدأت هذه الحملة بالمؤتمر الدولي لمكافحة الإرهاب الذي استضافت فيه المملكة ممثلين من (60) دولة ومنظمة دولية وإقليمية لبحث وتطوير سبل ووسائل مكافحة هذه الظاهرة الإجرامية الدولية ، وتقدم فيه أخي صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز ولي العهد ونائب رئيس مجلس الوزراء ورئيس الحرس الوطني بمقترح إنشاء مركز دولي لمكافحة الإرهاب ، وقد نال هذا المقترح دعم المؤتمرين وتأييدهم . كما توصل المؤتمر إلى توصيات منها : اعتماد استراتيجية شاملة فاعلة موحدة ، وجهد دولي منظم يركز على الحاجة إلى الدور الريادي للأمم المتحدة ، وتسوية المنازعات الإقليمية والدولية سلمياً لتفويت الفرصة أمام المنظمات الإرهابية لاستغلال معاناة الشعوب ، والتأكيد على رفض أي محاولة لربط الإرهاب بالدين ، وتهيئة جو من التفاهم والتعاون المشترك بين مختلف الدول ، وتعزيز الحوار المتعدد الثقافات ، وتعزيز التعاون الدولي والإقليمي والثنائي بين الدول لتجفيف مصادر تمويل الإرهاب ، وكذلك أنشطة مجموعات الجريمة المنظمة والاتجار غير المشروع في الأسلحة والمتفجرات ، والاتجار في المخدرات .

أيها الإخوة :

إننا ماضون – بإذن الله – على طريق التنمية والتطوير ، ولقد سرّنا ما تم اتخاذه من إجراءات تنفيذاً لقرار مجلس الوزراء بتفعيل المجالس البلدية وفقاً لنظام البلديات والقرى . كما أن الاقتصاد الوطني يتنامى ، والنجاح الذي تحقق على صعيد التنمية والبناء الاقتصادي في المملكة جاء ثمرة رؤية اقتصادية واسعة الأفق ، وقدرة – بحمد الله – على التخطيط الاستراتيجي بعيد المدى ، ومرونة كبيرة في مواكبة المتغيرات الاقتصادية العالمية . وخطط التنمية التي شهدتها المملكة تنطوي على كثير من المؤشرات التي تجسد الرؤية التي تعاملت بها المملكة مع قضايا التنمية والبناء الاقتصادي ، واستطاع الاقتصاد السعودي تحقيق التأقلم والتكيف مع متطلبات التنمية الاقتصادية وظروف الاقتصاد العالمي من خلال سلسلة من القرارات والإجراءات الاقتصادية المهمة التي كونت نقطة تحول رئيسة في السياسة الاقتصادية والاجتماعية ، ووفرت موجهات لتعزيز النمو والازدهار .

أيها الإخوة :

لقد نجحت خطط التنمية بالمملكة في إقامة التجهيزات والمشروعات القادرة على قيادة عمليات التطوير والتحديث ونقل التقنية المتقدمة ، وتوفير المستـويات اللائقة من التعليم والتدريب والخدمات الاجتماعية والصحية المختلفة . ولسنا بحاجة إلى تعداد هذه الإنجازات ، فوثائق وزارة الاقتصاد والتخطيط زاخرة بذلك . ومن الجدير بالذكر أن البعد الاجتماعي لخطط التنمية لم يكن غائباً ، بل كان دائماً حاضراً من خلال برامج عدة لخدمات الرعاية الاجتماعية في جميع المجالات ، وشملت هذه الرعاية بالذات ذوي الاحتياجات الخاصة ، حيث قدمت لهم العديد من أوجه الرعاية الصحية والاجتماعية والتأهيلية ، ورصد التمويل اللازم لذلك ، وإصدار نظام خاص بهذه الفئة يغطي متطلباتها واحتياجاتها والآليات التنفيذية المحققة لذلك .

وسعت الدولة لاستغلال ما أنعم الله به من ثروات للقيام بتنمية متسارعة شملت جميع مناحي الحياة ، فارتفع حجم الاستثمارات في المجال الصناعي إلى أكثر من مائتين وستين مليار ريال ، وارتفع عدد المصانع على أكثر من ثلاثة آلاف وسبعمائة مصنع توفر أكثر من ثلاثمائة وأربعة وخمسين ألف فرصة عمل في مختلف النشاطات ، كما حققت شركة سابك مراكز متقدمة على المستوى العالمي فتبوأت المركز الأول عالمياً في بعض الصناعات ، أما قطاع النقل والاتصالات فشهد إنجازات كثيرة ، حيث بلغت أطوال الطرق التي نفذت أو تحت التنفيذ أكثر من (73) ألف كيلو متر ، وتوسعت خدمات الاتصالات بدرجة كبيرة .

أيها الإخوة :

إن تحقيق أهداف خطط التنمية إنما يتم في إطار المفهوم الشامل لتنمية الموارد البشرية ، والارتقاء المستمر بهذه الموارد ، وتحقيق التناسب بين النمو السكاني والموارد البشرية ، وتبني التخطيط الجيد لتطوير وإدارة الموارد البشرية ، والارتقاء بكفاءتها الإنتاجية ، والاستمرار في تبني برامج إحلال القوى العاملة الوطنية محل القوى العاملة الوافدة ، وزيادة معدل مشاركة المرأة في قوة العمل وفق قرار مجلس الوزراء ذي الرقم (120) والتاريخ 12/4/1425هـ الذي يقضي بتوسيع مجالات عمل المرأة وزيادة فرص توظيفها طبقاً لما جاء من محددات في القرار .

ولقد أسست المملكة منظومة من مؤسسات التعليم العالي والتعليم العام والتعليم الفني والتدريب المهني ، والعمل جار على إعادة هيكلة مؤسسات التعليم والتدريب ، وتحديد مفاهيمها بما يلبي احتياجات التنمية من القوى العاملة الوطنية بمختلف مهاراتها ، وتأكيد العلاقات المتبادلة بين العمل المنتج ومجالات التنمية البشرية .

ونشير في هذا الصدد إلى أن النمو الاقتصادي السريع في المملكة خلال سنوات خطط التنمية اقترن بتوافر الكثير من فرص العمل ، وإن كانت سوق العمل قد شهدت في الوقت نفسه بعض الخلل ، كتزايد نسبة القوى العاملة الأجنبية في مقابل الارتفاع النسبي في بطالة القوى العاملة الوطنية ، فقد اتجهت أهداف التنمية الثامنة نحو تهيئة الظروف لإيجاد الوظائف وفرص العمل للمواطنين من خلال الاستمرار في معدلات النمو الاقتصادي والاستثمارات الجديدة من جهة ، وتأمين التعليم الأساس وتنمية القدرات والمهارات لدى القوى العاملة الوطنية وترشيد عملية الاستقدام من جهة أخرى .

وتأكيداً على ذلك ، فقد صدر قرار مجلس الوزراء في بداية شهر محرم 1426هـ الذي وضع آلية عمل لمواجهة مشكلة البطالة بين المواطنين ، وارتفاع معدلات استقدام العمالة ، ونص على تكليف جميع الجهات المعنية والجامعات السعودية والأجهزة الإعلامية بمساندة وزارة العمل في الإجراءات التي تتخذها لتخفيض معدلات إصدار التأشيرات وتدريب السعوديين ، وتنشيط دور القطاع الخاص ، والتأكيد على جميع القطاعات والأجهزة الحكومية والمؤسسات العامة بالتنسيق المباشر والكامل مع وزارة العمل ووزارة الخدمة المدنية فيما يتعلق بإجراءات الإحلال للقوى العاملة الوطنية وكل ما تراه الوزارتان في شأن استقدام العمالة .

أيها الإخوة :

إن ميزانية العام الحالي تضمنت مخصصات للتنمية في مختلف القطاعات الإنتاجية والخدمية . وهذا يبرز متانة الاقتصاد السعودي ، والآفاق الواسعة أمام نمو قطاعاته بمعدلات عالية في الأعوام القادمة إن شاء الله . وجاءت الميزانية متزامنة مع بداية خطة التنمية الثامنة لإحداث نقلة كبيرة في الخدمات والتسهيلات التي يتمتع بها المواطن السعودي ، فقد اشتملت هذه الميزانية على (75.5) مليار ريال للمشروعات والبرامج الجديدة في مختلف مناطق المملكة ، ومع الأخذ في الحسبان التوزيع المتوازن بين احتياجات هذه المناطق ، ودعم برامج تنمية الموارد البشرية ومشروعات التعليم والتدريب والصحة والخدمات الاجتماعية والمياه والزراعة والخدمات البلدية والنقل والاتصالات ، كما اشتملت الميزانية على زيادات كبيرة في رأس مال صناديق الإقراض والتمويل التي أنشأتها الدولة لتقديم التسهيلات والقروض الميسرة للمواطنين .

أيها الإخوة :

لقد صدرت الأوامر بالاستفادة من الزيادة الاستثنائية في إيرادات السنة المالية 1424/1425هـ بالشكل الذي يعود بالفائدة على المواطنين في جميع مناطق المملكة مع التركيز على المناطق الأكثر احتياجاً وذلك من خلال تخصيص مبلغ واحد وأربعين ألف مليون ريال من فائض إيرادات تلك السنة لتنفيذ مشاريع إضافية للخدمات ، خصص منها مبلغ ثلاثين ألف مليون لتنفيذ برنامج إضافي محدد لتحسين وتطوير الخدمات ، يشمل مشاريع لشبكات المياه والصرف الصحي وتصريف السيول ، ووضع برنامج عاجل لتنفيذ طرق سريعة وفتح طرق جديدة داخل القرى والمدن وخارجها ، وتنفيذ برنامج لتطوير مستوى الرعاية الصحية الأولية بالمناطق كافة . وتنفيذ برنامج سريع لاستكمال بناء المدارس للبنين والبنات ، ودعم التعليم الفني والتقني وزيادة الطاقة الاستيعابية له وتطويره وفقاً لحاجة سوق العمل ، وكذا زيادة رأس مال صندوق التنمية العقارية بمبلغ (9.000.000.000) تسعة آلاف مليون ريال لمقابلة الطلب على القروض وتقليص فترة الانتظار ، وكذا زيادة رأس مال بنك التسليف السعودي إلى (3.000.000.000) ثلاثة آلاف مليون ريال لتمكينه من زيادة عدد القروض التي يمنحها للمحتاجين وأصحاب المهن وفقاً لنظامه .

أيها الإخوة :

اهتدت خطة التنمية الثامنة بأولويات التنمية المعتمدة ، وبعناصر القوة في الاقتصاد الوطني لتحقيق أقصى زيادة ممكنة في معدل النمو الاقتصادي وبما يفوق الزيادة المتوقعة في معدل النمو السكاني ، ويمكن من زيادة معدلات توظيف القوى العاملة الوطنية . كما استهدفت تنويع الأنشطة الإنتاجية ومصادر الدخل الوطني لإيجاد روافد بجانب الإيرادات النفطية لتمويل الإنفاق الحكومي والواردات وتحسين كفاءة آلية السوق ، وزيادة دور القطاع الخاص في الإنتاج والاستثمار ، وتطوير قدراته على المنافسة .

وتتبنى خطة التنمية الثامنة مجموعة متكاملة من السياسات المتسقة لتأمين متطلبات تحقيق أهدافها . فموضوعات مثل الاستقرار الاقتصادي ، كفاءة وكفاية الائتمان المصرفي ، من الأمور التي تلقى اهتماماً بارزاً . كذلك أولت الخطة اهتماماً خاصاً بالمجالات المتعلقة بتهيئة البيئة المناسبة للاستمرار في تطوير الهيكل الاقتصادي ، وبرامج التحديث، وتسريع عمليات التخصيص ، وتطوير النظام الإداري .

كما تهتم سياسات الخطة بتوفير الظروف المناسبة لزيادة استثمارات القطاع الخاص ، الوطني والأجنبي ، بالإضافة إلى مواصلة الاستثمار الحكومي في قطاعات التنمية ، والاستمرار في تطوير الإطار المؤسسي للتجارة الخارجية، وتحسين كفاءة أداء المؤسسات الحكومية والخاصة ذات العلاقة ، والعمل على تعزيز القدرات التنافسية للمنتجات الوطنية وزيادة صادراتها . هذا بالإضافة إلى مواصلة التوسع في الاتفاقيات التجارية الثنائية مع دول العالم بهدف إيجاد أسواق جديدة للصادرات الوطنية .

أيها الإخوة :

هذا فيما يخص الأوضاع المحلية ، أما فيما يتعلق بالعالم الخارجي فإن سياستنا في هذا الشأن قائمة على العمل لما فيه تحقيق مصالح المملكة ، ودعم تواجدها الإيجابي في المحافل الدولية ، وإبراز دورها البناء سواء في المحيط الإقليمي أو العربي أو الإسلامي أو العالمي .

وإن ما تشهده الساحتان العراقية والفلسطينية من استمرار للأحداث التي ذهب ضحيتها الأبرياء من النساء والأطفال والشيوخ يتطلب ضرورة اتخاذ موقف دولي للحد من نزيف الدم والعمل على إعادة الأمن والاستقرار والسلام للمنطقة . ويحدونا الأمل في أن يعمل أبناء العراق على بناء عراق جديد موحد ومستقر آمن .

أما القضية الفلسطينية فقد أولتها المملكة العربية السعودية اهتماماً كبيراً يمثل توجهاً أصيلاً في سياستنا وفق ثوابت وضعها المؤسس الملك عبدالعزيز – رحمه الله – وسرنا جميعاً من بعده على دربه ، فدعمنا مستمر للإخوة الفلسطينيين في السعي لإقامة دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس الشريف ، وموقفنا معهم ثابت ضد كل الممارسات التي تعيق التوصل إلى سلام عادل وشامل ودائم .

وندعو الإخوة اللبنانيين إلى تجاوز الأزمة ، والمحافظة على وحدة لبنان واستقراره وتماسكه ، وتغليب جانب الحوار بين مختلف القوى السياسية ، والابتعاد عن كل ما من شأنه بث الفرقة والانقسام .

وفيما يتعلق بالعلاقات العربية ، فإن المملكة تركز على قضية تفعيل العمل العربي المشترك ، وقد صدر المرسوم الملكي رقم م/1 وتاريخ 11/2/1426هـ بالمصادقة على وثيقة عهد ووفاق وتضامن بين قادة الدولة العربية الصادرة عن مجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة في الدورة " السادسة عشرة " ، والتي تتضمن مبادئ تحدد أهدافاً تطمح الدول العربية إلى تحقيقها في المستقبل لتعزيز التعاون والتكامل العربي . وتنطوي على آليات لتفعيل ميثاق جامعة الدول العربية ، وتطوير أجهزة الجامعة . وتؤكد الوثيقة على تعزيز العلاقات بين الدول العربية ودعم التشاور والتنسيق والتعاون بين الدول الأعضاء ، وبخاصة في مجالات الأمن والدفاع والشؤون الخارجية . كما تؤكد على الدول الأعضاء أن تنفذ التزاماتها المنبثقة عن ميثاق جامعة الدول العربية .

أيها الإخوة :

إن المملكة العربية السعودية حريصة على استقرار السوق العالمية للبترول ، وتعمل بما يحقق التوازن بين مصالح المنتجين والمستهلكين في آن واحد ، وتسعى لتنمية التجارة الدولية من خلال التعامل على أساس اقتصاديات السوق الحر .

أيها الإخوة :

إن المملكة ترتبط مع سائر دول العالم المحبة للسلام بعلاقات واضحة قوامها الاحترام المتبادل ، والمشاركة المنتجة في قضايا الإنسانية وهمومها ، والاهتمام بشؤون التنمية وإشكالاتها ، والمبادرة الدائمة في المواساة والإغاثة في الكوارث والزلازل التي تحصل من وقت لآخر ، والمساندة والمساعدة لضحايا الفيضانات والمشردين واللاجئين داعمة للمحتاجين والمتضررين .

أيها الإخوة :

لقد سعت المملكة إلى تطوير التعاون فيما بينها وبين دول مجلس التعاون الخليجي وتنمية علاقاتها في مختلف المجالات الاقتصادية والثقافية ، والاجتماعية والسياسية ، وسوف نوالي الخطى ونواصل الجهود حتى نصل إلى الغايات التي تنشدها شعوب دول المجلس .

وفي الختام ، نتقدم بالشكر لأعضاء مجلس الشورى الذين انتهت مدة عضويتهم ، ونرجو للأعضاء الجدد التوفيق والسداد ، وندعو الله عز وجل أن يعين الجميع على القيام بالعمل وأداء الأمانة على الوجه الذي يرضيه عنا ، فنحن جميعاً مؤتمنون في أعمالنا ، ومسؤولون أمامه عز وجل عملاً بقوله تعالى :" إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمنت إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل " النساء 58 وقوله عز وجل :" وقل أعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنـون وستردون إلى عالم الغيب والشهدة فينبئكم بما كنتم تعملون ". التوبة 105.

والله أسأل أن يحفظ بلادنا ويديم عليها الأمن والاستقرار ، وأن يوفقنا للعمل لما فيه خير ديننا ووطننا ومواطنينا ، إنه على كل شيء قدير .

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،،

كلمة معالي رئيس مجلس الشورى الشيخ الدكتور/ صالح بن عبد الله بن حميد في افتتاح أعمال السنة الأولى من الدورة الرابعة ربيع الأول 1426هـ

الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه .

خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز .

صاحب السمو الملكي ولي العهد ، نائب رئيس مجلس الوزراء ورئيس الحرس الوطني الأمير/ عبد الله بن عبد العزيز .

صاحب السمو الملكي الأمير/ سلطان بن عبد العزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع والطيران والمفتش العام .

أصحاب السمو الملكي الأمراء .

أصحاب الفضيلة العلماء .

أصحاب المعالي الوزراء .

أيها الحفل الكريم ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

خادم الحرمين الشريفين :

يسر مجلس الشورى في هذا اليوم المبارك أن يقف بين يديكم موقف اعتزاز وهو يشعر بالغبطة بما حققه - بفضل من الله تعالى ثم بفضل توجيهكم ورعايتكم - من إنجاز فائق وأداء متميز حققه المخلصون من أبنائكم الذين نالوا شرف اختياركم لهم أعضاء في هذه المؤسسة المهمة من مؤسسات بلادنا العزيزة .

ونحمد الله أن بلغنا في هذا اليوم رؤية هذا المجلس شجرة مباركة ، تنمو وتزهر ، وتنتقل كل أربعة أعوام من دورة إلى دورة ، وهي تحظى بثقة المواطن وتتطور بتدرج وهدوء ، حتى أصبحت مؤسسة تنظيمية متكاملة ، تقف جنباً إلى جنب مع المؤسسات الأخرى التي تعمل لمصلحة الدين والوطن والمواطن .

واليوم - يا خادم الحرمين - وعلى بركة الله ، يتجدد لقاء الخير ، مع إكمال المجلس دورته الثالثة ، منذ أن أجرى الله على يديكم تحديثه وتطوير نظامه . وهو في كل دورة ، وبين كل حين وحين يحظى من مقامكم الكريم بالدعم والمساندة ، وبزيادة الصلاحيات والمسؤوليات ، بالتعديل في مواد نظامه نحو الأفضل ، وقد كان خلال دوراته الثلاث المنصرمة أحد أهم دوائر اهتمامكم ومتابعتكم ورعايتكم المستمرة .

إن المجلس يشعر بالفخر والاعتزاز بثقتكم ومؤازرتكم ، ويجد فيهما مصدراً من مصادر قوته ، وحفزاً في عطائه وإنتاجه ، حتى بلغ من احترام الوطن له ونظرته إليه ما يسعد به ، ووجد له مكاناً خارج الوطن لائقاً به تمثل في استقباله وفي قبوله في غضون السنوات الأربع الماضية في عضوية جميع الاتحادات البرلمانية العربية والإسلامية والدولية .

خادم الحرمين الشريفين :

لقد كان من فضل الله على الأمة الإسلامية أن شرع فيها من المبادئ والأحكام ما تستقيم به أحوالها ، وسن لها من أصول الشورى والعدل والمساواة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ما امتازت به على غيرها ، وقد هدى رسوله عليه أفضل الصلاة والسلام ، مع أن النبي المؤيد بالوحي والعصمة ، أن يقيم أركان دولته على قاعدة التشاور مع أهل الحل والعقد في أمور دنياهم ، ثم جاءت الخلافة الراشدة من بعده لتسلك منهاج النبوة وطريقها ، وتقيم شرع الله ، حتى سادت دولة الإسلام أصقاع الأرض وفتحت الأمصار ، وشيّدت نظاماً صار مضرب المثل في القوة والتسامح والمساواة والعدل ، وكانت الشورى الإسلامية مدرسة للاجتهاد ، ولتحري القرار الأصوب والأرجح ، وهي للمجتمع منفذ لتوسيع المشاركة وباب لتدريب الأكفياء على ممارسة السلطة والإدارة .

خادم الحرمين الشريفين :

إن مسيرة التحديث والإصلاح التي بدأتموها ، حفظكم الله ، بإصدار النظام الأساسي للحكم ، وبتجديد أنظمة مجلس الوزراء والشورى والمناطق ، وما تبع ذلك خلال العقد الماضي من تنظيمات إصلاحية متواصلة شملت مجالات القضاء والاقتصاد والتنظيم ، والإدارة والتنمية البشرية ، وترسيخ مبدأ الحوار الوطني وحقوق الإنسان ، وتوسيع دائرة المشاركة السياسية وإعادة أعمال المجالس البلدية وأسلوب انتخاب أعضائها ، وتطوير نظام التعليم وتحديث مناهجه ، ومعالجة أزمة الإسكان والتوظيف ، وظاهرة الفقر ، هي صورة لبعض ما التزمتم به منذ اليوم الأول لتحملكم مسؤولية الحكم في البلاد ، ونعلم يقيناً - أعزكم الله - أنكم ماضون في طريق الإصلاح والتطوير ، وهو ما أكدتم عليه في هذا المقام منذ عامين ، مشددين في الوقت نفسه ، على ألا حدود للتطوير طالما اتفق مع الشرع الحنيف، وسار في مسار التدرج والانضباط العام ، وانبثقت فكرته من الداخل ، كما نعلم علم اليقين أنكم مصممون على الاستمرار بخاصة في تطوير هذا المجلس وتعزيز وظائفه وتوسيع صلاحياته ، حتى تروه مجلساً مثالياً محققاً الأهداف ، بالغاً الغايات .

خادم الحرمين الشريفين :

لقد ظلت بلادنا ، منذ أن أخذتم على عاتقكم - أيدكم الله - بخيار الإصلاح والتطوير بدءاً بتحديث الأنظمة الدستورية الأربعة وتطوير مؤسساتها منذ أربعة عشر عاماً ، ظلت تتجاذبها تيارات وتوجهات تتراوح بين الإقدام والإحجام ، وبين التباطؤ والتسريع ، وكنتم - حفظكم الله - تأخذون الأمور بوسطية وحكمة واعتدال ، تراعون فيها مصلحة الأمة ، واضعين بين أيديكم ظروف المجتمع وخصوصياته ، مع الحاجة الملحة لمواكبة العالم من حولنا ، والانفتاح على الجديد النافع مادياً وفكرياً وتنظيمياً بما لا يتعارض مع شرعنا المطهر .

خادم الحرمين الشريفين :

لقد اقترنت الدورة المنصرمة مع أحداث سبتمبر المؤسفة ، ومع ما رافقها من تداعيات عانى منها المسلمون ، واتهم فيها دينهم الحنيف بالباطل ، فكان التوفيق - بفضل الله - حليف هذه الدولة بمؤسساتها ودواوينها كافة ، لتجنب سوءات المحنة ، والاستفادة من دروسها ، وأخذ العبرة من ظروفها ، ومعالجة أسبابها ، والتعامل بحنكة وأناة مع ما تبعها من مظاهر العنف والإرجاف والإرهاب ، فسارت سفينة هذه البلاد ، محفوظة برعاية الله ميمونة بتوفيقه ، ثم بيقظة رجال الأمن وبسالتهم ، محاطة بوعي المواطن وفكر الحكماء من العلماء والمثقفيـن والدعاة ، وكان من توفيقه تعالى أن يسر لهذا المجلس الإسهام بنصيبه - عبر اتصالاته الخارجية المكثفة والمشاركة الفاعلة في المؤتمرات وعبر سن الأنظمة والاستراتيجيات وإصدار القرارات وإبداء الآراء والمقترحات - لمساندة دور الحكومة وجهودها في تجاوز هذه الأزمة .

خادم الحرمين الشريفين :

إن ما يشن على بلادنا من هجمات حاقدة لا تمت إلى الدين والأخلاق بصلة ، ليزيد من تماسكنا والتحامنا صفاً واحداً ضد كل مخرب ومجرم من أي فئة كان ، وإن الإسلام وهو يجرّم هذه الأعمال المنكرة ويحرّمها ليدعو إلى الألفة والاجتماع والاعتصام بالحق ، وينبذ الفرقة والاختلاف وشق العصا وكل ما يؤدي إلى ذلك .

وهذا ما يحرص المجلس عليه ، حيث يقف مع ولاة الأمر والحكومة في خندق واحد حفظاً للمبادئ وحماية للأسس التي قامت عليها هذه الدولة المباركة منذ نشوئها ، ولصد كل محاولة تريد النيل من هذا الكيان الكبير .

خادم الحرمين الشريفين :

لقد سعى المجلس سعياً حثيثاً إلى الانفتاح والتواصل والاتصال مع الجمهور ، سواء عبر القنوات الإعلامية أو غيرها ، كما أقام جسوراً من الصلات مع العديد من المنظمات الإقليمية والدولية ، ونظم زيارات للبرلمانات العربية والدولية واستقبل وفوداً برلمانية ، وحرص خلال ذلك على توضيح منهج المملكة ومسيرتها الإصلاحية وجهودها في مكافحة الإرهاب ونشر الحوار وبث روح التسامح وقبول الآخر بحكمة بضوابط الشرع المطهر ، كما سعى المجلس إلى تجلية النظام الشوري في بلادنا وما يحظى به من اهتمام وعناية من الجهات العليا في الدولة . وقد لقي ذلك كله قبولاً عاماً من البرلمانات الدولية ، وكان من نتيجته - بحمد الله - أن حظي المجلس بموافقة برلمانات العالم بالإجماع على انضمامه إلى اتحاد البرلمانات الدولي .

خادم الحرمين الشريفين :

لقد أنجز مجلس الشورى في دورته الماضية (438) موضوعاً شملت مختلف أوجه التنمية في البلاد ، كما أصدر (387) قراراً بشأن عدد من الأنظمة واللوائح والاتفاقيات والمعاهدات والتقارير السنوية للوزارات والمصالح الحكومية . واتخذت هذه القرارات في (318) جلسة عقدها المجلس خلال السنوات الأربع الماضية . تخللها (64) اجتماعاً للهيئة العامة و(1304) اجتماعاً للجان المتخصصة .

ومما يذكر فيشكر لأعضاء المجلس شعورهم الكبير بالمسؤولية التي حمّلهم إياها ولي الأمر بحرصهم على الانتظام في جلسات المجلس وتقديرهم التام للمسؤولية عنها.

لقد كان أعضاء المجلس يمارسون تحت قبته حقوقهم كاملة ويحددون مواقفهم انطلاقاً من اعتبارات تستمد وزنها من قناعات ناشئة عن فهم عميق لواقع الموضوع محل البحث وإدراك راسخ لغاياته وآثاره . بعيداً عن المواقف أو السياسات المقولبة سلفاً ، يتحاورون ويتجادلون ويقارعون الحجة بالحجة دون خصومة أو لجج ، ويسعى كل صاحب رأي داخل قاعات المجلس ولجانه المختلفة لبسط ملحوظاته في جو مفعم بالروح الوطنية والموضوعية الحقة والمسئولية الواعية والاحترام المتبادل . وللحقيقة فلم تشهد قاعات المجلس موقفاً واحداً شاب خلالها الجدل والحوار لون من غيظ أو شجار ، بل إن محاور الجدل والحوار - رغم حدتها أحياناً - اتصفت بروح المسئولية الحقة والأخلاق الموضوعية . وهو إنجاز متميز يحسب للمجلس ولأعضائه وأمانته العامة وجهازه الإداري – ولكنه قبل هذا وذاك وبعد فضل الله تعالى وتوفيقه يحسب لقيادة هذا الوطن التي أرست قواعد العمل البرلماني دورة إثر دورة من خلال الانتقاء والاصطفاء لأعضائه ، وزيادة عددهم ، وتنويع تأهيلهم وخبراتهم ، إلى جانب تأصيل قرارات المجلس وتشجيعه على التواصل والاتصال بالمجالس والمؤسسات البرلمانية الأخرى .

إن مجلس الشورى ليقدر لكم يا خادم الحرمين جهودكم الحثيثة لتطويره وتوسيع نطاق صلاحياته ومسؤولياته ، وإن هذه الزيادة في عدد أعضائه لهذه الدورة الجديدة لتحقق مكاسب ثلاثاً مهمة ، هي : جمع الكلمة واتساع نطاق التمثيل للمناطق كافة وإعلاء نسبة الصواب في القرار الشوري . إنها خطوة حكيمة تؤدي إلى الظفر بمزيد من الآراء المعتدلة ، والطرح البناء . ولقد ثبت عبر الدورات السابقة أن مجلس الشورى زخر بكوكبة من أعلى وأرقى الكفايات الوطنية في مختلف المجالات والتخصصات .

كما يقدّر المجلس ، بوجه خاص ، التعديلات الأساسية التي أمرتم - حفظكم الله - بإدخالها على المادتين (17 و 23) من نظام مجلس الشورى ، لتوسيع صلاحيّات المجلس واختصاصاته ، وتمكينه من المبادرة إلى وضع الأنظمة وتعديلها وتحديثها دون استئذان مسبق ، ولتوضيح حدود العلاقة مع مجلس الوزراء الموقر ، وقد جاء تعيين وزير دولة لشؤون مجلس الشورى من المقام الكريم خطوة مهمّة للتنسيق بين المجلسين ، كما جاءت الموافقة الكريمة على تعيين مساعد لرئيس مجلس الشورى في كل دورة خطوة أخرى في هذا السياق . وكل ذلك سيعطي - بلا ريب - قوة دفع إضافية أكبر وأعمق لمسيرته. وإن المجلس ليتطلع إلى أن يتحقق له في دوراته القادمة قوة دفع إضافية أكبر وأعمق ، تستمد جذورها من تجربته الحالية ومن الحزم والعزم لدى الرئاسة والأعضاء معاً ومن مؤازرة ولاة الأمر . ومن المؤكد أن الدورات القادمة سوف تشهد تحولاً كبيراً ونقلة نوعية وموضوعية في مسئوليات المجلس وسلطاته وتكوينه ، وأسلوباً متميزاً في معالجة قضايا الوطن وهمومه . وما من شك في أن المشاركة في المسؤولية الشورية هي شرف كبير لكل من يتم اختياره لهذا الشأن العظيم .

وإن المجلس ليشكر وزارات الدولة كافة وأجهزتها ومؤسساتها لما لمسه من تعاون ومساندة مما يصب في مصلحة هذه البلاد ومواطنيها .

أرجو الله تعالى لمقامكم الكريم التوفيق والإعانة وأن يسدد على دروب الخير مساعيكم وأن يجعل ما تقومون به من إصلاح في موازين حسناتكم .

كما أسأله جل وعلا أن يوفق ولي عهدكم ونائبكم الثاني لكل خير وأن يجعل جهدهما وعملهما ذخراً لهما يوم لقاه .

كما أدعوه سبحانه أن يوفق أعضاء المجلس لخدمة وطنهم ومجتمعهم وأن يقوموا بما أنيط بهم حق القيام وأن يكونوا عند حسن ظنكم ، إنه سميع مجيب , وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .