الكلمة السامية التي ألقاها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود – حفظه الله – أمام أعضاء مجلس الشورى في حفل افتتاح أعمال السنة الثالثة من الدورة الرابعة.

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد:

أيها الأخوة أعضاء مجلس الشورى:

أيها الأخوة الكرام:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :

على بركة الله وبعونه وتوفيقه ، نفتتح أعمال السنة الثالثة من الدورة الرابعة لمجلس الشورى سائلاً المولى –عز وجل- أن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم ، وأن يوفقنا لخدمة الدين ثم الوطن والمواطن.

أيها الأخوة:

ألتقي معكم في هذا اللقاء السنوي المتجدد لاستعراض ما قامت به حكومتكم من إنجازات في الداخل ساهمت في تحقيق الأمن ، والرفاهية ، والمشاركة للمواطن ، وما تبنته من سياسات ومواقف في الخارج كان لها الأثر الملموس في الحفاظ على المصلحة الوطنية وتعزيز السلام والاستقرار الإقليمي والدولي .

إن من نعم الله علينا نعمة الإسلام ، وما جاء به من مبادئ جليلة ، ومن هذه المبادئ مبدأ الشورى ، وما يحققه من ترشيد للقرارات التي تمس مصلحة الوطن والمواطن . ولقد مارس مجلسكم هذا المبدأ بكل شفافيه وموضوعية فأصبح محل ثقة القيادة ، وتطلعات المواطن نحو التطوير .


لقد أصبح مجلس الشورى بما يضمه من كفاءات وطنية من مختلف المناطق والقطاعات بمثابة السند الأساس للحكومة في اتخاذ القرارات . كما نال مجلسكم اهتمام المواطن وتقديره نظراً لطرحكم الموضوعي في مداولات المجلس، وما نتج عن هذا الطرح من آراء سديدة خير معين للحكومة ، فتفاعل مجلسكم على المستويين الإقليمي والدولي – من خلال الاتحادات البرلمانية الإقليمية والدولية ولجان الصداقة وغيرها من الأطر والمنظمات – أسهم في التعريف بوجهة نظر المملكة تجاه القضايا الإقليمية والدولية وبما حققته المملكة من إنجازات حضارية في كافة المجالات .

أيها الإخوة الكرام :


لقد أرسى الملك عبدالعزيز –طيب الله ثراه- أسس هذه الدولة ، ووحدها على هدى الشريعة الإسلامية ، فكانت الوحدة بدل الشتات ، والألفة بدل العداء ، والتعاون بدل التنافر ، وأصبحت المملكة وطن الاستقرار في محيط مضطرب بالفتن والحروب. لذلك فإن التحدي الذي يواجهنا _أيها الأخوة- هو المحافظة على هذه الوحدة الوطنية وتعميق مضامينها . إن تأجيج الصراعات المذهبية ، وإحياء النعرات الإقليمية ، واستعلاء فئة في المجتمع على فئة أخرى يناقض مضامين الإسلام وسماحته ، ويشكل تهديداً للوحدة الوطنية وأمن المجتمع والدولة . لذا فإنني آمل أن يكون للوحدة الوطنية مكان الصدارة في اهتمامات مجلسكم وفي ذهن كل واحد منكم ، فأنتم الأمناء –بعد الله- على وحدة الوطن واستقراره .


إن الوطن ما يزال يواجه ظاهرة الإرهاب رغم الانحسار الذي حصل مؤخراً فيما تقوم به الفئة الضالة من أعمال . ومما يؤسف له أن ينسب إلى الإسلام – دين الرحمة ، والألفة ، والمحبة ، والتسامح ، والوسطية ، والسلام – أعمال إجرامية تمارس البغي والعدوان . فلقد سعى مرتكبو تلك الأعمال إلى زعزعة الأمن والاستقرار في أهم معقل للإسلام ، بيد أننا نؤكد لكم أن التماسك والتعاون بين الشعب والحكومة ، ويقظة الأجهزة الأمنية ، وشجاعة رجالاتها ، سوف تقف بعون الله بالمرصاد لتلك الفئة الضالة. إن الأمن والأمان هما أهم أركان الاستقرار في المجتمع وأهم مطالب التنمية وهذا ما يجعلنا عازمين وبكل حزم على التصدي للإرهاب ومظاهره مهما طال الزمن ، ومهما كلف الثمن حتى ترد الفئة الضالة إلى رشدها ، أو يتم استئصالها من المجتمع السعودي .

أيها الأخوة الكرام :


تأتي خطة التنمية الثامنة (1425-1430هـ) لتبنى على ما تم إنجازه في الخطط السابقة ، ولتجسد انطلاقة جديدة في مسار التنمية ، فقد أعدت وفق منظور استراتيجي يهدف إلى تحقيق التنمية المستدامة. ولقد ركزت هذه الخطة على أولويات بأتي في مقدمتها المحافظة على القيم الإسلامية ، وتعزيز الوحدة الوطنية ، والأمن الوطني ، والاستقرار الاجتماعي ، ورفع مستوى المعيشة ، وتوفير فرص العمل للمواطنين ، وتنمية القوى البشرية ورفع كفاءتها ، وتنويع القاعدة الاقتصادية ، وزيادة إسهام القطاع الخاص في التنمية ، وتحقيق التنمية المتوازنة بين مناطق المملكة ، وتطوير منظومة العلوم والتقنية والاهتمام بالمعلوماتية ، ودعم وتشجيع البحث العلمي والتطوير التقني ، والمحافظة على الموارد المائية وتنميتها وحماية البيئة. ولقد أظهر تقرير متابعة السنة الأولى (1425-1426هـ) لخطة التنمية الثامنة (1425-1430هـ) إنجازات حققت المعدلات المستهدفة في الخطة ، وفي بعض الحالات فاق النمو المعدلات المستهدفة .

ونظراً لأهمية الاستثمار في التنمية الوطنية ، فسنواصل –إن شاء الله- دعم القطاع الخاص ، وسنجعل منه شريكاً استراتيجياً في التنمية الاقتصادية ، كما سنقوم بتذليل العقبات التي تواجه المستثمر السعودي والأجنبي ، وذلك بالإستفادة –ما أمكن- من المزايا النسبية في الاقتصاد السعودي .

لقد تجاوزت المملكة العربية السعودية في مجال التنمية السُقف المعتمدة لإنجاز العديد من الأهداف التنموية التي حددها (إعلان الألفية) للأمم المتحدة عام (2000م) . كما أنها على طريق تحقيق عدد آخر منها قبل المواعيد المقترحة . ومما يميز التجربة السعودية في السعي نحو تحقيق الأهداف التنموية للألفية الزخم الكبير في الجهود المتميزة بالنجاح في الوصول إلى الأهداف المرسومة قبل سُقفها الزمنية المقررة ، والنجاح بإدماج الأهداف التنموية للألفية ضمن أهداف خطة التنمية الثامنة، وجعل الأهداف التنموية للألفية جزءً من الخطاب التنموي والسياسات المرحلية وبعيدة المدى للمملكة .

ولقد سررت خلال زياراتي لمناطق المملكة بما حظيت به من تنمية شاملة ، بيد أنني لاحظت أن بعض المناطق تحتاج إلى مزيد من العناية والاهتمام بغية تحقيق التنمية المتوازنة بين مناطق المملكة ، وهذا ما نعمل على تحقيقه .

لقد سخرنا ما تحقق من فائض إيرادات الميزانية في السنوات الثلاث الماضية لتخفيض الدين العام حيث انخفض من (660) بليون ريال عام (1423/1424هـ) يمثل بنسبة (82%) من الناتج المحلي الإجمالي إلى (366) بليون ريال عام (1426/1427هـ) يمثل نسبة (28%) من الناتج المحلي الإجمالي . كما تم اعتماد عدد من البرامج والمشاريع التنموية ، إضافة لما هو وارد في الخطة الخمسية الثامنة وفي ميزانية الدولة ، وشملت هذه البرامج والمشاريع مشاريع المسجد الحرام والمشاعر المقدسة ، وتحسين البنية التحتية ، والرعاية الصحية الأولية ، والتعليم العام والعالي والفني ، والإسكان الشعبي ، ورفع رؤوس أموال صناديق التنمية . كما تم تعزيز احتياطيات الدولة، ودعم صندوق الاستثمار العامة . وتحمل ميزانية العام الحالي تباشير الخير لكل مواطن حيث تم تخصيص مبالغ كبيرة منها لتحقيق نقلة نوعية في مجال تنمية القوى البشرية والتي تمثل الدعامة الأساسية للتنمية الشاملة ، وفي مجال الرعاية الصحية والاجتماعية ومن ذلك زيادة مخصصات الأيتام والمعوقين واختصار الإطار الزمني للقضاء على الفقر .


وفي المجال السياسي تم إصدار نظام هيئة البيعة لتعزيز البعد المؤسسي في تداول الحكم ، وبدأت المجالس البلدية تمارس مسؤولياتها المحلية بعد انتخابات نزيهة ومشرفة ، وزاد عدد مؤسسات المجتمع المدني وبدأت تسهم في مدخلات القرارات ذات الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية ، وتم تشكيل هيئة حقوق الإنسان وإصدار تنظيم لها وتعيين أعضاء مجلسها ، وقام مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني بدوره في نشر ثقافة الحوار في المجتمع ، وساهم في تشكيل مفاهيم مشتركة بشأن النظرة إلى التحديات التي تواجه المجتمع وكيفية التعامل معها .

إن السنة المقبلة سوف تشهد المزيد من التحديات ، كما ستشهد المزيد من الفرص . وسوف تستمر الدولة –بعون الله- في نهجها التنموي التطويري في الداخل ، ومن المأمول –بإذن الله- أن تشهد الفترة القادمة انطلاقة عدد من المشاريع الوطنية الهامة ، أذكر منها ، على سبيل المثال لا الحصر ، المشروع الشامل لتطوير التعليم ، والمدن الاقتصادية الكبرى ، ومنظومة العلوم والتقنية ، وهيكلة القضاء وتطويره ، وإنشاء هيئة وطنية لمكافحة الفساد ، ومكافحة البطالة بإعطاء السعوديين المؤهلين الأولوية في التوظيف ، والتوسع في التدريب ونشر ثقافة العمل .

ولن نقف عند هذا الحد من التطور السياسي ، ذلك أن التطور عملية مستمرة تحكمها ظروف ومراحل التطور الاجتماعي في الدولة ، لذا سنواصل التطوير وسنأخذ بمبادئ الحكم الرشيد في إدارة الدولة والمجتمع ، وسنعمل كل ما فيه خير الدين ومصلحة الوطن والمواطن إن شاء الله .

أيها الأخوة الكرام :

لا يخفى عليكم أن منطقتنا تجتاز مرحلة خطيرة تتعدد فيها الصراعات وتتعاقب الأزمات ، وتتنامى التدخلات ، مما أوجد حالة من الاضطراب وعدم الاستقرار ، الأمر الذي استوجب أن تضاعف دبلوماستنا السعودية جهودها على الساحتين الإقليمية والدولية ، عبر انتهاج الحوار والتشاور وتغليب صوت العقل والحكمة ، وفي سبيل درء التهديدات والمخاطر والحيلولة دون تفاقمها ، والعمل على تهدئة الأوضاع وتجنب الصراعات المدمرة ، وحل المشاكل بالوسائل السلمية وذلك وفق ما تفرضه تعاليم ديننا الحنيف ويمليه ضميرنا وشعورنا بالمسئولية .

وقد اضطلعت المملكة العربية السعودية خلال هذه الفترة الحرجة بمسؤوليتها ، خاصة وأن المملكة قد استضافت القمة الاستثنائية التي عقدت في مكة المكرمة ، وتسلمت رئاسة قمة مجلس التعاون لدول الخليج العربية التي عقدت في الرياض، ورئاسة الدورة الحالية للقمة العربية التي عقدت في الرياض كذلك . وأضحى من واجب المملكة وهي تحرص على إصلاح أحوال العرب والمسلمين وجمع كلمتهم أن تبادر قبل غيرها إلى صياغة دور فاعل خليجياً وعربياً ، وإسلامياً ، والدفاع عن قضاياها ، وصيانة مصالحها ، والتصدي لأخطار الفتنة والانقسام والصراع التي تهدد كيانها ، ويأتي في مقدمتها تصاعد الفتنة بين المذاهب الإسلامية وخاصة بين الشيعة والسنة وإشعال فتيل النزاع الطائفي في أماكن مختلفة من عالمنا الإسلامي وخاصة ما يحدث في العراق ولبنان .

واستشعاراً من المملكة العربية السعودية لأهمية مكانتها ودورها في العالم الإسلامي والعربي ، فقد حرصت دوماً على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية والإسلامية الأخرى ، ووقفت دوماً على مسافة واحدة من جميع المذاهب والفرق والطوائف التي تتشكل منها مجتمعات الدول الأخرى ، وكانت دوماً داعية إلى الحوار والتفاهم والمصالحة في أي منطقة تظهر فيها بذور الفتنة والانقسام .

أيها الأخوة الكرام :

لقد كانت قمة (الشيخ جابر) –رحمه الله- فرصة لمراجعة مسيرة مجلس التعاون لدول الخليج العربية والتقريب بين تطلعات المواطن الخليجي نحو المجلس وما تم تحقيقه بالفعل من إنجازات في التكامل الخليجي. إن تطلعات المواطن الخليجي نحو تفعيل العلاقات البينية وتحقيق الوحدة الاقتصادية بين دول مجلس التعاون ، وحصوله على المواطنة الاقتصادية في كل دول المجلس تطلعات مشروعة تمثل الغاية التي ينشدها المجلس . ولقد تبنت قمة (الشيخ جابر) ما يلبي هذه التطلعات حيث دفعت باتجاه تفعيل الاتحاد الجمركي ، واستكمال السوق الخليجية المشتركة ، والاتحاد النقدي ، كما عملت على تعزيز التعاون والتكامل في مجالات إستراتيجية أخرى لا تقل أهمية وسوف نعمل مع إخوتنا قادة دول مجلس التعاون على تذليل العقبات التي تعترض مسيرة المجلس ، وتنشيط قوى الدفع باتجاه التكامل . إن احتلال رفاهية المواطن مكان الصدارة في أولويات الحكومات الخليجية ، وبروز التحديات الإقليمية التي تحيط بدول مجلس التعاون ، وظهور التكتلات الدولية تجعل لا خيار لنا إلا خيار التعاون والتكامل فيما بيننا .

وفي المجال العربي تبقى القضية الفلسطينية قضيتنا ، وقضية العرب الأولى ، ومحور تحرك المملكة السياسي على الساحات الإقليمية والدولية ، وقد تشكلت لنا الأحداث التي شهدتها الساحة الفلسطينية الداخلية قلقاً بالغاً كما هو الحال بالنسبة للشعب الفلسطيني والأمتين العربية والإسلامية ، وذلك لما يمثله تفاقم النزاع الداخلي واستمراره من تأثير سلبي على القضية ، والمطالبة بالحقوق الفلسطينية والعربية المشروعة. من هذا المنطلق دعونا إلى اجتماع الأشقاء الفلسطينيين في الرحاب الطاهرة لمكة المكرمة حقنا للدماء وتوحيداً للصف ، ونحمد المولى –عز وجل- على ما توصل إليه الأخوة الفلسطينيون من اتفاق بمحض إرادتهم ، وما نجم عنه من تشكيل لحكومة الوحدة الوطنية ، وندعو الله –عز وجل- بالتوفيق لهذه الحكومة في الاضطلاع بمسئولياتها تجاه شعبها وتجاه عملية السلام في المنطقة . وستظل القضية الفلسطينية محور جهودنا بغية الوصول للحل السلمي العادل والشامل والدائم ، وفق قرارات القمم العربية التي أكدت على انتهاجها للسلام كخيار استراتيجي ، ومشروع السلام الشامل الذي أجمعت عليه الدول العربية في قمة بيروت وأكدته القمم العربية اللاحقة خاصة قمة الرياض الأخيرة .

لقد كانت الاضطرابات الداخلية التي شهدتها الساحة اللبنانية مصدر قلق كبير لنا ، فتداعياتها السلبية تهدد لحمة لبنان وشعبه الشقيق ، بل وسيادته واستقلاله أرضاً وشعباً ، وهو أمر له تداعياته على المنطقة واستقرارها وأمنها ، خاصة في ظل ما عاناه هذا البلد العربي العزيز على قلوبنا من تجربة أليمة لا زالت ماثلة في أذهاننا لحرب أهلية طاحنة أكلت الأخضر واليابس . الأمر الذي استوجب التحرك السريع لاحتواء الأزمة ونزع فتيل الانفجار ، عبر سياسة التحاور والتشاور مع كافة الفرقاء اللبنانيين بدون استثناء ، ومع عدد من دول المنطقة بهدف تقريب وجهات النظر ، والابتعاد عن التصعيد فعلاً وقولاً . وندعو الأشقاء اللبنانيين إلى استثمار أجواء التهدئة لمعالجة خلافاتهم بموضوعية عبر الحوار والتفاهم بين جميع الفئات والطوائف ، وتغليب صوت الحكمة والعقل حفظاً لسلامة لبنان ووحدته الوطنية ، وصوناً لاستقلاله وسيادته ووحدة إقليمه. وسوف لن ندخر جهداً في سبيل دعم اقتصاد لبنان ، وإعادة إعماره على المستويين الثنائي والدولي .

وأخالنا جميعاً نحمل نفس مشاعر الأسى والألم لما يمر به العراق ، هذا البلد الأصيل ، وما يعانيه من تدهور أمني يحصد يومياً العديد من الأرواح البريئة ، وما يتعرض له من زرع لبذور الفتنة وبث الشقاق بين أبناءه ، وما يواجهه من دعوات مستترة للتقسيم والتفتيت . وقد حرصت المملكة على المشاركة في جميع اللقاءات ، والمؤتمرات ، والاجتماعات الإقليمية والعربية والدولية ، بهدف مؤازرة الجهود الرامية إلى إعادة الأمن والاستقرار للعراق ، وتكريس وحدته الوطنية على مبادئ المساواة والتكافؤ في الحقوق والواجبات ، والمشاركة في الثروات ، بين كافة أبناء العراق بمختلف مذاهبهم وأعراقهم وأطيافهم السياسة ، ليعيش العراقيون في ظل عراق مستقل موحد الإقليم كامل السيادة ، عراق يكون لشعبة الكلمة العليا في تقرير مستقبله بمنأ عن أية تدخلات خارجية .

وفيما يخص قضية دارفور ، فقد حرصنا على هامش القمة العربية التي عقدت في الرياض ، على دعوة الأخوة في القيادة السودانية الشقيقة ، ممثلة في فخامة الأخ الرئيس عمر البشير ، بالاجتماع بالأمين العام للأمم المتحدة ، وبحضور الأطراف الأفريقية المعنية ، ونرجو أن يكون ذلك الاجتماع خطوة إيجابية نحو الوصول إلى اتفاق حول قضية دارفور. وفي الشأن الصومالي ، فقد دعونا جميع الأطراف المتنازعة في الصومال الشقيق ، لاجتماع لحل مشاكلهم ، ورحبنا بقدومهم –إذا رغبوا- للمملكة ، من أجل هذا الهدف . ونأمل أن يؤدي ذلك إلى إعادة الاستقرار في الصومال .

أيها الأخوة الكرام :

لقد برزت أزمة الملف النووي في المنطقة لتشكل عبئاً جديداً على أزماتها المتلاحقة ، وقد حرصت الدبلوماسية السعودية بالعمل على معالجة هذا الملف معالجة سلمية تتسم بالعقلانية والموضوعية ، وتتجنب لغة التشنج والتوتر ، وتهدف إلى ضمان خلو منطقة الخليج والشرق الأوسط من جميع أسلحة الدمار الشامل ، مع كفالة حق دول المنطقة في امتلاك الطاقة النووية للأغراض السلمية ، وفق معايير الوكالة الدولية للطاقة الذرية ، وعدم استثناء أي دولة في المنطقة من تطبيق هذه المعايير بما في ذلك إسرائيل . وقد اتخذنا في القمة السابعة والعشرين لمجلس التعاون لدول الخليج العربية التي عقدت في الرياض قراراً استراتيجياً بإدخال التقنية النووية في دول المجلس ، وسوف نقدم بمشيئة الله تعالى لدول المنطقة والعالم نموذجاً يحتذى به للاستثمار السلمي لهذه الطاقة في تنمية دولنا ، وفق أعلى معايير السلامة الدولية وقوانينها ، بمنأى عن أخطار إساءة استخدامها عسكرياً أو تأثيرها على شعوبنا وبيئتنا .

إن سياسة المملكة الخارجية تنطلق من قناعات راسخة بضرورة السعي المستمر ، دون كلل في سبيل تحقيق وحدة الصف العربي وتعزيز التضامن بين الدول العربية ، وترسيخ قيم الأخوة الإسلامية بين جميع المسلمين بمختلف أوطانهم ومذاهبهم بعيداً عن شرور الفتن والفرقة ، ومد جسور التفاهم والتعاون مع كل الشعوب والدول المحبة للسلام بما يرسخ مبادئ الشرعية الدولية ويؤكد تحاور وتفاعل مختلف الحضارات والثقافات .

أيها الأخوة الكرام :

ونؤكد هنا أن على الجامعات والمؤسسات التعليمية ورجال الفكر والتربية والقلم والدعاة والعلماء أن يبينوا المنهج الوسطي للإسلام القائم على التسامح والاحترام المنافي للتشنج والعداء ليعرف العالم أجمع رسالة الإسلام وحقيقته وأنه جاء رحمة للعالمين .

أيها الأخوة :

إن المملكة العربية السعودية تدرك مسؤولياتها الدولية تجاه حفظ السلام الدولي ، وتعزيز التعاون والتقارب بين الدول والشعوب . ومن هذا المنطلق قمت بزيارات خلال الفترة الماضية لعدد من الدول الأسيوية الإسلامية والصديقة ، حيث شملت زياراتي كلاً من جمهورية الصين الشعبية ، وجمهورية الهند ، واتحاد مملكة ماليزيا ، وجمهورية باكستان الإسلامية ، وساهمت هذه الزيارات في دفع مسيرة العلاقات مع هذه الدول من خلال التوقيع على اتفاقيات عديدة شملت الجوانب الاقتصادية ، والأمنية والثقافية والعلمية ، كما تم تبادل الآراء مع قادة هذه الدول بشأن القضايا الإقليمية .

إن توسيع أطار علاقات المملكة بالاتجاه شرقاً أملته اعتبارات المصلحة الوطنية للمملكة والتطورات التي حصلت في طبيعة المنتظم السياسي الدولي ، فالمملكة تمثل أكبر شريك تجاري لجمهورية الصين الشعبية في غرب أسيا وشمال أفريقيا ، في حين تعد جمهورية الهند رابع شريك تجاري للمملكة ، يضاف إلى ذلك تأثير كل من الصين والهند في السياسات الإقليمية والدولية . في حين تربطنا مع اتحاد مملكة ماليزيا وجمهورية باكستان الإسلامية رابطة الدين المشترك ، بالإضافة إلى الروابط الدبلوماسية والاقتصادية . كما قمت بزيارة للجمهورية التركية وتوجت هذه الزيارة بتوقيع عدد من الاتفاقيات ومذاكرات التفاهم والتي تهدف إلى تعميق العلاقات بين بلدينا وفي ذلك تعزيز للتعاون والتقارب الإسلامية .

لقد أصبحت دبلوماسية القمة في عالم اليوم وسيلة فاعلة لتعزيز العلاقات بين الدول وأداة لتحقيق السلام الدولي . ومن هذا المنطلق ستتكرر –إن شاء الله- هذه اللقاءات مع قادة الدول الصديقة لما في ذلك من تحقيق للمصلحة الوطنية المشتركة وتعزيز للتعاون الدولي .

وفي مجال البترول تدرك المملكة العربية السعودية مسؤولياتها الدولية وتعمل على تحقيق أسعار عادلة لهذه المادة تراعي فيها مصلحة المنتج والمستهلك ، كما تسعى المملكة إلى تعزيز طاقتها الإنتاجية من البترول لتتمكن من الوفاء بالتزاماتها تجاه التنمية الوطنية ومتطلبات الاقتصاد العالمي . إن السلام العالمي يواجه تحدياً جديداً غير مألوف ، يتمثل بالصدام الثقافي بين الأمم . وهذا التأجيج لصدام الثقافات وما يصاحبه أحياناً من مس بمقام الرسل والأنبياء من شأنه أن يزيد من التنافر بين شعوب المعمورة والعداء بين الأمم . إن المصلحة الإنسانية وتعزيز السلام العالمي تتطلب التصدي لهذه المفاهيم السلبية بكل السبل والدفع باتجاه موقف دولي مشترك يسعى إلى تعزيز التعاون والتآلف بين شعوب المعمورة ويصون القيم والمقدسات ويحفظ مقام الرسل والأنبياء .

أيها الأخوة الكرام :

إن المملكة العربية السعودية دولة محبة للسلام تنشد العدل ، وتحترم حقوق الإنسان وتعمل على تسخير ما حباها الله من نعم عديدة لتحقيق تطلعات شعبها وتطلعات الشعوب العربية والإسلامية ضمن مفهوم إنساني مشترك يجمعها مع كل الشعوب المحبة للخير والسلام .

وفي الختام أسأل الله أن يحفظ بلادنا ، ويديم عليها نعمة الأمن والاستقرار إنه على كل شيء قدير .

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،،