مجلس الشورى عام 1369هـ

"بسم الله الرحمن الرحيم

من عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود

إلى جناب المكرم الابن فيصل                                                                سلمه الله

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته...وبعد:

فقد اطلعنا على التقرير الذي رفعه إلينا مجلس الشورى برقم 261 في 30/12/1368هـ، المتضمن الأعمال التي أنجزها خلال العام المنصرم.

إنا نقدر للمجلس المشار إليه مساعيه الطيبة، وجهوده المثمرة في القيام بالمهمة الملقاة على عاتقه.

بالنظر لوثوقنا بكفاءة أعضاء المجلس وحرصهم على أداء واجبهم، فقد رأينا تمديد مدتهم سنة كاملة، ابتداء من غرة شهر محرم الحالي، فينبغي إبلاغ المجلس ذلك.

نسأل الله التوفيق والسداد للجميع.                                والسلام".

بعد ذلك تقدم عضو المجلس الشيخ أحمد إبراهيم الغزاوي، وألقى باسم المجلس الخطاب الآتي، وهذا نصه:

"بسم الله الرحمن الرحيم

مولاي سمو الأمير المعظم، نائب جلالة الملك المفدى:

جدير بنا ونحن في مطلع الدورة الجديدة لمجلس الشورى، أن نتقدم إلى سموكم الكريم بأصدق عبارات الشكر على ما تفضل به حضرة صاحب الجلالة مولانا الملك المعظم – أخال الله بقاءه – من منح أعضاء هذا المجلس ثقته الغالية، وعطفه الملكي العالي.

ولئن كان ذلك من أكبر دواعي الشرف والفخر لنا فإننا لنعلم موقنين أن السبب الأول فيه والباعث الأساسي عليه، إنما هو الحرص على خدمة الشعب والبلاد. وبذل كل ما يمكن من جهود في سبيل تقدمها واضطراد رقيها تحت ظل جلالته الوارف.

وليس من يكابر في المدى الذي وصلت إليه البلاد من حيث الثقافة والعمران، ومكافحة الأمية، ومحاربة الجهل، وتعميم التعليم، وتحفيز الهمم، وانبعاث النشاط في شتى مظاهر الكيان العصري الحديث. وإن كنا نعترف أنه ما يزال أمامنا الكثير من المراحل الطويلة.

وفي الواقع ما كان لنا – ونحن في موقعنا الديني والجغرافي الممتاز – أن نتخلف عن ركب الأمم من حولنا وعن إيماننا وشمائلنا – ولا أن نتجاهل ما أصبح عليه العالم اليوم من حركة وتزاحم واتصال. ولا أن ننسى ما علينا من واجبات كبرى لا محيص لنا من أدائها للوصول إلى المقام الذي يتفق وتاريخ هذا الشعب العربي المجيد وقدسية هذه البقاع الطاهرة المباركة. ولقد من الله على المملكة العربية السعودية – بنعم لا تحصى.. وأعظمها منة وأجلها بركة أن عقد الله تاجها على فرق مؤسس هذه المملكة العظيمة ومشيد أركانها. ورافع بنيانها فخر العرب وذخر الإسلام حضرة صاحب الجلالة مولانا الملك المعظم ( عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل السعود ) أمده الله بعونه وتوفيقه وأن تهيأت لها في ظل جلالته أسباب العزة والكرامة والأمن والسلام. وأن اتسعت أمامها آفاق المعرفة ومهدت لها سبل الحياة. وانطلقت بعد أسس القرون متماسكة الأجزاء. موحدة الآراء مقبلة على موائد العلم. دائبة على السير فيما يؤدي بها إلى الذروة إن شاء الله تعالى.

فالشكر لله العلي القدير على ما تم لها على يدي جلالته من تآلف وتقدم. وما توفر لها من مدارس ومعاهد وابتعاث، وما نالته من مكانة محترمة مرموقة بين الأمم والشعوب، وما تفتق لها من ثروات وكنوز، وما هي بسبيله من تطور وانتعاش. وهي بحول الله وقوته، ثم بإرشاد وحكمة جلالته؛ بالغة إن شاء الله تعالى كل ما تصبو إيه من أمان وآمال مادامت حريصة وساعية على أن يتحقق لنا ذلك، ومادامت مستهدية بكتاب الله وسنة رسوله صلوات الله وسلامه عليه، ومسترشدة بنصائح جلالة العاهل المفدى.

وما من شك في أن الأمة قد خطت بعون الله تعالى خطوات موفقة واسعة في طريق الحياة الصحيحة المجدية، وأنها دائبة في سعيها. جادة في نهضتها متطلعة إلى غدها في ثبات وطمأنينة وإيمان، وإذا كان من حقنا أن نفخر في هذا المجلس وعلى رؤوس الأشهاد بأعظم بواعث الارتياح والاغتباط؛ فإن ذلك ليبدو واضحاً جلياً في الاتجاه المشهود والنهضة التي تقوم بها وزارة الدفاع والعناصر القوية التي تغذى بها دوائر الجيش العربي السعودي وتشكيلاته الواسعة، والتي تحمل المباهاة والتفاؤل. وأنها الرمز الحيوي في هذه الأمة الكريمة والحلبة التي يجب أن يتبارى فيه الشباب المثقف الطموح.

يا سمو الأمير:

إننا لنحمد الله تعالى على أن تمت مناسك الحج في هذا العام، على أحسن ما يرام رغم ضخامة عدد الوافدين وتضاعفهم مضاعفة عظيمة. ورغم وصولهم وتكاثفهم وتواردهم بحراً وبراً وجواً من مختلف بقاع الأرض في أسابيع محدودة وأيام معدودة، الأمر الذي ينعدم مثله في غير هذا البلد الأمين.

يا سمو الأمير المحبوب:

إن المجلس لعلى استعداد أن يمارس ما منح له من اختصاصات بنفس الروح التي استمدها ويستمدها دائماً من الله سبحانه وتعالى ثم من وصايا وتوجيهات جلالة مولانا الملك المعظم، وسمو ولي عهده المفدى، وسموكم. وفي الحق أنه ما من عمل، أو مشروع، أو فكرة ترمي إلى استثمار الجهود وتقدم البلاد وتوفير الرغد والرخاء لجميع طبقات الشعب في حاضره ومستقبله والأخذ بيده إلى أرفع مستوى ممكن؛ إلا كان تحريض جلالته عليه ودعوته إليه المصدر الأول فيه، وما أعظم ما بذل لذلك من جهد ومال ومهد له من صعاب وعقبات.

مولاي: إن المجلس يستقبل دورته الجديدة بعد أن شارف تشكيله خمسة وعشرين عاماً، ليستعين بالله تعالى على القيام بواجبه، وفي نفس الوقت يرجو أن تقوم المجالس الإدارية والبلدية في كافة أنحاء المملكة بواجباتها في مثابرة ودأب وإنتاج، وأن تقوم الدوائر المختصة بتنفيذ جميع المشروعات التي جرى التصديق عليها ولا يرى بُداً من تقدير جميع الدوائر والجهات المسئولة التي حققت كثيراً من المشروعات المفيدة، والأعمال الهامة عموما، ولاسيما في الحقل العلمي، والزراعي الذي نأمل أن تجنى ثمراتها في القريب العاجل. وبالأخص ما يتصل منه بالحج والحجاج، ويرجو أن تستأنف هذه الدوائر والجهات نشاطها في إكمال ما بدأت به من مشروعات، ويستحثها على أن تباشر العمل وشيكا في تطبيق برامج هذا العام إبان الأشهر التالية القريبة، وقبل حلول أشهر الموسم المقبل سواء منها ما يتعلق بشئون الحج، أو الطرق، أو البرق والبريد والهاتف، أو الشرطة، والصحة العامة، أو الأوقاف، أو أمانة العاصمة، والبلديات، أو هيئات العيون والمياه، والعمل على توفيرها، وتنظيم وسائل توزيعها وتيسير الحصول عليها، وأن تضاعف الجهات المكلفة جهودها بتأمين وسائط النقل أهلية كانت، أو حكومية وانها لمدة طويلة كافية تلك التي يمكن للجميع استغراقها في أبواب النشاط والعمل فهي لا تقل بين أول كل موسم، وآخره عن تسعة شهور، وأن المجلس لفي انتظار تقارير الدوائر المفصلة عما تم وما يجب أن يتم ليقوم بدرسها. كما أن المجلس مطمئن إلى أنه سيلاقي من سموكم باعتباركم رئيس الحكومة وبصفة كونكم رئيسا لهذا المجلس ومن لدن جلالة الملك المعظم كل تشجيع وتعضيد وسوف يضاعف المجلس إن شاء الله من نشاطه، ويواصل من تعقيبه في لزوم تطبيق الأنظمة التي قد يكون من بينها ما يدعو إلى زيادة الدقة والاعتناء.

وإننا لنرجو مخلصين من الله سبحانه وتعالى أن يجعل التوفيق حليف حكومة جلالته حتى تصبح هذه المملكة الفتية الناهضة نموذجاً عالياً ومثلاً يُحتذى في كل مظهر من مظاهر المجد والرفعة والازدهار.

وسيعنى المجلس – بإذن الله في جلساته المقبلة – بمناقشة كل ما يعرض عليه ويحال إليه ، وتقرير ما تقضي به المصلحة العامة من المواضيع، والمشاريع التي تزمع الحكومة القيام بها. ولا يدخر وسعا في استدراك ما لاغنى عن تداركه واستنجازه من الأعمال الإنشائية والتنظيمية على ضوء ما توحي به الحاجة الملحة، وتدعو إليه التجارب الماضية ويحقق الأهداف السامية التي تتوخاها الحكومة حضرة صاحب الجلالة أيده الله وأدام عزه ونصره.

والله هو المسئول أن يطيل في عمر جلالة الملك المعظم، وسمو ولي عهده المفدى، وسموكم المحبوب، وسائر أمراء البيت المالك وأن يوفق الجميع لما يحبه ويرضاه إنه سميع مجيب".

ثم تفضل صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن عبد العزيز، وألقى الكلمة الافتتاحية نيابة عن جلالة الملك المفدى، ونصها:

"بسم الله الرحمن الرحيم

في مثل هذا اليوم من كل عام نلتقي، أولاً لشكر الله عز وجل على ما أنعم به علينا من نعم كثيرة. ثم لأفتتح عهداً جديداً في حياة البلاد والأمة. ولا شك أن هذا العهد هو عهد مسؤليات وواجبات، يشترك فيها الراعي والرعية، ويشترك فيها المسئول وغير المسئول، ولكن هذا الاشتراك وهذه المسئوليات تختلف باختلاف إمكانيات المسئولين وغير المسئولين، وغني عن البيان أن حكومة جلالة الملك والمجلس والشعب مرتبطون بأوثق الروابط من النواحي الأخوية والدينية والوطنية، وكل العناصر المهمة، ولكن كما تقدم على كل مسئولية ولكل اقتداره.

فمسئولية المجلس هي القيام بما يجب عليه من توجيهات، وإقرار ما يلزم لتقدم هذه البلاد والأمة، ومراقبة ما ينفذ، وملاحظة ما تقصر عن القوانين، أو الأوامر والقرارات.

ومسئوليات الحكومة هي القيام بما يجب عليها من انفاذ جميع ما يتقرر والسعي بالإصلاح في شتى نواحيه، واتخاذ أنجح الطرق لتأمين المقاصد التي من أجلها سُنّت القوانين، وأُصدرت الأوامر. وواجب الرعية هو مساعدة الجهات المنوط بها أمر التنفيذ لتسهيل مهمات السير بحسب هذه الأوامر والتوجيهات التي توجه اليهم، والتقليل بقدر الإمكان من إشغال الجهة المسئولة بما لا طائل تحته، أو الأشياء التي لا يقصد منها إلا التشويش، والادعاءات التي لا نتيجة من ورائها.

لاشك أنه إذا تضافرت الجهود، فإن الأمة والبلاد بحول الله تعالى ثم بحسن توجيه صاحب الجلالة واجتهاد وإخلاص العاملين كل في حقله، ستبلغ الغاية المنشودة بحول الله، فحكومة جلالته لا تزال تستهدف ما يكون فيه خير هذه البلاد سواء في الحقل الداخلي، أو الخارجي.

أما من ناحية سياسة حكومة جلالته الداخلية؛ فهي نشر العلم، وتوسعة المدن، وتأمين المرافق الصحية بقدر الإمكان، والسهر على صحة الشعب والوافدين، وتنفيذ وإقرار المشاريع النافعة للبلاد الأمة. ولا شك أن الطفرة محال، ولكن المهم في كل الأشياء هو أن الإنسان يسلك الطريق القويم بكل إخلاص وجد ومثابرة.

في السنوات الماضية حصل بعض التقدم، وإن كان ليس كل ما أريد، ولكن على كل حال هو أحسن من لاشيء. من الناحية الصحية توسعت إدارة الصحة العامة في ميزانيتها وفي ترتيباتها.

ومن الناحية العلمية توسعت إدارة المعارف في فتح المدارس، وإيجاد الفصول الناقصة فيها، وأقرت بموافقة الحكومة، وبتشجيع جلالته فتح كليتين في هذا العام، وهما كلية الشريعة وكلية اللغة العربية، وفعلاً فتحت كلية الشريعة وبُدئت الدراسة فيها من هذا الشهر، كما تأسست مدرسة للصناعات بجدة.

من الناحية العمرانية، أُنشئت بعض الطرق، وأُكمل إصلاح البعض الآخر واتخذت الأسباب للشروع في إصلاح طريق الطائف (وسيكون الابتداء به في هذه السنة بعون الله تعالى)، والطريق الموصل بين المدينة والمطار، وإصلاح طريق جدة/المدينة، وتوسيع الطريق بين مكة/ جدة، أو إيجاد خط آخر مع الخط الموجود حالياً. وربما تفتح في بحر السنة بعض الطرق الداخلية في العاصمة لتخفيف الضغط، وتسهيل حركة المرور. واتخذت الأسباب لبناء بعض السدود في الطائف لحفظ المياه، ونأمل أن يبدأ العمل بها في بحر هذه السنة.

من ناحية المواصلات: قامت إدارة البرق والبريد العامة باستحضار ما يلزم لإنشاء خطوط تلفونية جديدة تربط مكة/ جدة/ الطائف. والأمل في أن يتم إنشاء هذه الخطوط في بحر السنة، وأظن مدير البريد والبريد العام سيحقق ذلك.

هذا ما يتعلق بالحقل الداخلي، أما ما يتعلق بالحقل الخارجي:

إن سياسة حكومة جلالة الملك هي توطيد وتثبيت العلاقات الأخوية، والودية مع البلاد العربية. وقبل أسبوع أو أسبوعين كانت الجامعة العربية منعقدة، واتخذت قرارات مهمة، وأهم ما حدث فيها هو الاقتران بالضمان الجماعي الذي تقدمت به الحومة المصرية على لسان وفدها، ولاقى هذا الاقتراح الترحيب والقبول من جميع الوفود العربية. وقد وافقت حكومة جلالة الملك مبدئياً على هذا الاقتراح، وهو ينظر بواسطة لجنة مختصة لدراسة تفاصيله التي توصله إلى طور التنفيذ. وحكومة جلالته تسعى لتوطيد العلاقات الودية مع الحكومات الأجنبية وبالأخص الإسلامية والعربية، ولا تضمر لأحد سوءاً، ولا ترضى أن يضمر لها أحد سوءاً. وعلى كل فحكومة جلالة الملك سائرة على سياسة تعتقد أنها حكيمة، وهي توطيد الروابط الودية مع كل شعب يسعى لكسب صداقة حكومة جلالة الملك، يحدوها في كل ذلك الإخلاص، وليس للحكومة غرض، أو مطمع سوى محافظة هذه البلاد على استقلالها واستقرارها وشد أزر بعضها.

وعلى كل فكلنا مسئولون، وكلنا محاسبون.

فأسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا جميعاً لأداء ما يجب علينا لخدمة هذه الأمة والبلاد في ظل صاحب الجلالة مسترشدين بإرشاداته الحكيمة والله الموفق والملهم للصواب.

والآن باسم الله تعالى ثم باسم صاحب الجلالة مولاي الملك المعظم نفتتح المجلس لدورته الجديدة. سائلين الله له التوفيق والنجاح في أعماله".